
غيّب الموت الموسيقار حافظ عبد الرحمن، عازف «الفلوت» الشهير، وأحد كبار رموز الفن السوداني الذين نشروا الموسيقى السودانية حول العالم.
وووري عبد الرحمن، الثرى عقب صلاة عصر الجمعة، بمقابر السرحه الواقعة داخل مدينة النيل بأم درمان، بعدما عانى مرضاً نادراً أفقده الذاكرة وصار أسيراً لعالمه الخاص، ولا يتذكر إلا زوجته، بعدما ملأ الدنيا بجميل الألحان وشغل بها الناس لعقود من الزمن.
وسبق أن أثارت صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي للموسيقار حافظ عبد الرحمن، جدلًا واسعاً، حيث كشفت مدى تدهور حالته الصحية، قبل أن يطمئن نجله زرياب، الجمهور وهو ينشر صورة برفقته قبل رحيله.
البدايات والنشأة
وُلد الموسيقار حافظ عبد الرحمن في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، وظهر عشقه للعزف منذ السادسة من عمره، حيث كان يهرب من قاعة المدرسة لممارسة هوايته المحببة في العزف، والتي صقلها بدراسة الموسيقى في كلية الموسيقى والدراما، ثم عدة معاهد موسيقى في أوروبا.
وقال عن هذه الموهبة: «إن علاقتي مع آلة الفلوت، أتت من إحساسي العميق بأنها الأصبع السادسة في كفي، فمنذ طفولتي الباكرة كنت مولعاً بآلة (الصفارة) العادية، حيث إنها كانت متاحة فهي أحياناً تكون من الصفيح وأحياناً من الأبنوس وأحياناً من القصب، وكنت أصنعها بنفسي في أحايين كثيرة».
لذلك لم تفلح أسرته عندما حاولت صدّه عنها ليتفرغ للدراسة وعندما أكمل الصف الرابع في المدرسة الابتدائية كانت قد نضجت مهارته في العزف، حيث كان يحتضن جهاز الراديو ليجاري الموسيقى التي تبثها الإذاعة السودانية أم درمان.
وتعلم عبد الرحمن، العزف على الآلة الصغيرة التي أجادها وهو هاوٍ بشكل مدهش، قبل أن يحترف ويقدم أول مقطوعة موسيقية له باسم «المرفأ القديم» التي أنتجها منتصف سبعينات القرن الماضي، وهي تعد باكورة أعماله، وكانت رائعة ومميزة مما دفع بالإعلامي محمد سليمان أن يستخدمها شعار برنامجه التلفزيوني الشهير «دنيا دبنقا».
إنجازات موسيقية
وتعد «المرفأ القديم» بداية لإنتاج أكثر من 30 مقطوعة ذات قيمة جمالية رفيعة استعانت بها إذاعات عالمية على غرار مونت كارلو، وبي بي سي، وصوت أمريكا، كما أصبحت خلفيات برامج تلفزيونية.
وتعتمد موسيقى عبد الرحمن على آلة «الفلوت»، وعادة ما تركز موسيقاه على الإنسان السوداني البسيط.
وحصد الراحل حافظ عبد الرحمن جوائز كبيرة في منافسات إقليمية ودولية، ومزج بين الموسيقى السودانية والأوروبية ببراعة جذبت له العشاق في أعمال متفردة عرف بها.
فقد جال بلاد العالم وهو يحمل آلته الصغيرة التي عزف بها في عاصمة اليابان طوكيو في الشرق الأقصى وعدد من العواصم الآسيوية قبل أن يذهب إلى القارة العجوز لتطرب مقطوعاته مدناً أوروبية، وكذلك واشنطن في الغرب الأقصى.
وكان حافظ، الفنان السوداني الوحيد الذي يؤدي فواصل موسيقية في مسرح «كيني سنتر» في واشنطن ليلة كاملة متع فيها الحضور بفن سوداني أصيل من نوع مختلف، إضافة إلى أنه أصدر عدداً من ألبوماته في فرنسا، وكتب عنه أحد الكتّاب الألمانيين بصفته موهبة إفريقية فريدة.
وألّف الراحل نحو 81 مقطوعة موسيقية أبرزها «الأيام الخالدة» التي كانت تحتل مكاناً خاصاً لدى حافظ، إلى جانب مقطوعة «بين الذكرى والشجن» و«إيقاع الجبل»؛ إذ حاول من خلال موسيقاه أن يوصل إلى مستمعيه الشجن الفطري للإنسان السوداني.
وكانت وما زالت مقطوعات حافظ عبد الرحمن الموسيقية عاملاً رئيسياً في توحيد وجدان الشعب السوداني، على الرغم من اختلاف وتمايز ثقافاتهم الغنائية.