
عادل عبد الرحيم/ الأناضول
مع دخول الحرب شهرها الرابع، تختفي مظاهر الحياة في العاصمة السودانية الخرطوم التي تسودها حالة عامة من “الحزن والبؤس”، وسط تحذيرات أممية من ازدياد “الأوضاع الإنسانية سوءا”.
وخلّف القتال الذي اندلع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، دمارا هائلا طال المباني السكنية والحكومية.
وباتت المباني في هذه المدينة التي يسمع فيها أصوات الانفجارات وأزيز الرصاص، تحمل آثار الحرائق السوداء التي تكسوها من الخارج مغيرة ألوانها.
وفي الشوارع المهجورة من المواطنين، يتناثر ركام المباني التي دمرها القصف المدفعي والجوي، كما تتوزع فيها آليات ومركبات عسكرية ومدنية محترقة.
وطالت حالة النهب والسرقة كثيرا من المصانع التي توقفت عن العمل جرّاء الحرب، فيما تعرض بعضها للدمار والاحتراق بفعل الاشتباكات المتواصلة.
ولا توجد تقديرات رسمية حتى اليوم لعدد المباني السكنية التي دمرت بشكل كلي أو جزئي، أو الخسائر المادية التي طالت المصانع والمحال التجارية التي تعرضت للاحتراق أو النهب.
والإثنين، وصف مفوض الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، السودان بأنه “أصعب مكان في العالم بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني من حيث الوصول إلى المحتاجين للدعم والمساعدة”.
وحذر المسؤول الأممي في تصريحات صحفية من أن “الأزمة ستزداد سوءا مع امتداد القتال إلى مناطق جديدة”.
ويتبادل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اتهامات ببدء القتال منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، وارتكاب خروقات خلال سلسلة هدنات لم تفلح في وضع نهاية لاشتباكات خلفت أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، وما يزيد على 2.8 مليون نازح داخل وخارج أفقر إحدى دول العالم، بحسب وزارة الصحة والأمم المتحدة.
** مدينة أشباح
يقول الصحفي السوداني أيمن مستور الذي يقيم في جنوبي الخرطوم، إن “أحياء كاملة أصبحت شبه خالية بعد أن هجرها سكانها”.
وأضاف للأناضول: “تخلو شوارع الخرطوم من الحركة، والأوضاع الإنسانية باتت في أسوأ حالاتها لمن تبقى من السكان بالخرطوم”.
وأوضح أن “المؤسسات الحكومية والخاصة والمصانع والصحف متوقفة، فيما أصبحت تجمعات المواطنين والمقاهي مهجورة أو مدمرة”.
وأشار إلى أن “أسعار السلع الاستهلاكية شهدت ارتفاعا ملحوظا”.
ويتحسر مستور قائلا: “أصبحت الخرطوم مدينة أشباح، وَتدهورت المعيشة وأصبحنا نأكل وجبة أو وجبتين للحفاظ على الحياة والسلع الموجودة لأطول فترة ممكنة”.
** غرباء عن المكان
تعبر السودانية سمية مبارك، التي تعمل معلمة، عن حزنها لما وصل إليه حال الخرطوم جراء الحرب.
وتقول للأناضول: “أسكن الجيلي شمالي مدينة بحري وذهبت إلى الكلاكلة جنوبي الخرطوم لأحضر أختي وأبناءها، وحينما رأيت الخرطوم أحسست أنني غريبة عن هذا المكان”.
وأضافت: “شعرت أن هذه المدينة محتلة، وفاقم هذا الإحساس نقاط التفتيش الكثيرة التي قابلتني طوال الطريق للجيش والدعم السريع”.
وعن الأوضاع المعيشية، قالت مبارك: “نحاول التعايش مع هذه الأوضاع، في كل مرة تنقص إحدى أولويات الحياة، نحاول الاستعانة بالبدائل لتوفيرها”.
ولفتت إلى أن الخبز ينقطع في بعض الأحيان، بحيث لا يعمل في المنطقة إلا مخبز واحد وعلى فترات، فيتجهون للبدائل مثل “كسره وقراصة” (خبز على الطرق البلدية).
** تكاتف رغم المعاناة
المواطن محمد بدر الدين أحد سكان جنوبي الخرطوم، يقول إنه رغم المعاناة والمصاعب إلا أن هناك حالة من التكاتف بين سكان المنطقة وتمسك بالبقاء فيها.
ويضيف للأناضول: “رغم كل المصاعب والجوع الحاصل إلا أن الناس تتكاتف والجيران يساعدون بعضهم البعض”.
وأوضح أنه رغم “قلة السكان المتبقين في هذه المنطقة إلا أن معنوياتهم مرتفعة، فيما تسمع ضحكاتهم أحيانا حينما يلتقون صدفة أمام المخبز أو المتجر الوحيد في الحي”.
ويشير إلى أن معظم المتاجر في الحي مغلقة، فيما عدا متجر واحد يفتح أبوابه إلا أن أرففه أصبحت خالية من البضائع والمستلزمات.
وعن مغادرة المدينة، يقول بدر الدين: “لم أعرف مكانا آخر غير الخرطوم هنا ولدت ودرست وعشت سنوات عمري ولم يخطر ببالي مغادرتها رغم قصف المدافع والدمار وانعدام الكهرباء والمياه لأيام”.
واستكمل قائلا: “نعاني بشدة وأحيانا ينعدم الدقيق (الطحين) وغاز الطهي ويرتفع سعر الفحم، فتعجز الأسر عن شرائه بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، فيلجأ حينها السكان لاستخدام الحطب كبديل”.
** مقبرة كبيرة
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي يوسف حمد، إن “الخرطوم العاصمة دمرت واستباحتها القوات المتصارعة بالقتل”.
ويضيف للأناضول: “منذ منتصف أبريل الماضي، في كل الخرطوم وأطرافها (مدينتي أم درمان وبحري)، لا ترى غير المنازل المهدمة والبيوت المتضررة والمتصدعة وأرتال الجثث المسجاة على الطرقات”.
وزاد: “تحولت العاصمة إلى مقبرة كبيرة ومرتع للكلاب الضالة”.