السياسيةعاجل

تاريخ الرشوة في السودان: من خمسة وعشرين قرش.. الي مليون دولار !!

بكري الصائغ – الجريدة

مقـدمة:
(أ)- عودة الى خبر له علاقة بالمقال، ونشر في صحيفة “الجريدة” بتاريخ يوم الاحد ٢٨/ اغسطس ٢٠٢٢، جاء تحت عنوان (مسؤول يطالب وكيل النيابة بعدم الخوض في قضية “تاركو”)، ومفاده:
كشف أحد وكلاء النيابة عن طلب عضو بلجنة التحقيق في قضية شركة تاركو للطيران مبلغ (مليون دولار) لقتل ملف القضية إلى الأبد ، ودار سجالاً بين وكلاء النيابة في أحد منصات التواصل الاجتماعي. وحذر بعضهم من أن هذا الخبر إذا تم تداوله سينسف ما تبقى من سمعة للعدالة في السودان، وطلب مسؤول من اعضاء المنصة عدم الخوض والحديث حول قرار النائب في البلاغ 246-2018 لأن الأمر تعدى الأشخاص وطال النيابة كمؤسسة. وشدد المسؤول بقوله إنه على كل وكلاء النيابة في مجموعاتهم الخاصة أو الاجتماعية الكف عن الحديث عن هذه القضية التي صدر قرار التحقيق بشأنها السبت الماضي.). -انتهي الخبر-.
١- حتما، ان القارئ الذي طالع الخبر اعلاه، قد اصيب بالاحباط الشديد من تزايد حالات دفع الرشوة والعمولات في السودان حتى وصل الى هذا الرقم المليون الكبير بالدولار، ومما يزيد من حجم الاحباط، ان اغلب قضايا الرشاوى التي وقعت في زمن الانقاذ السابق مازال مجمدة حتي اليوم!!، ما عادت المحاكم تنظر فيها، بل وهناك في مكتب النائب العام كثير من ملفات الفساد والرشاوى والعمولات عليها الغبار الكثيف – بيع خط “هيثرو” مثالآ!!
٢- منذ سنوات طويلة وحتي اليوم لم تتوقف الصحف في شن الهجوم الضاري على السلطات الحاكمة السابقة في زمن الرئيس المخلوع والسلطة العسكرية الحالية حول التلكؤ المتعمد عن قصد واصرار في تاجيل وتاخير قضايا الفساد والرشوة، وما قضية تاخير النظر في قضية شركة “تاركو” للطيران الا واحدة من حالات كثيرة تعدت عشرات الآلاف تاخرت المحاكم في سرعة البت فيها!!
٣- بالنسبة للذين تخصصوا في مجال القانون، وعملوا سنوات طويلة في مكاتب حكومية تابعة لوزارة العدل والقضائية والنيابة العامة، او في مهنة المحاماة، او شغلوا منصب مستشار قانوني في رئاسة الجمهورية، حتمآ يكون خبر صحيفة “الجريدة” حول رشوة المليون دولار خفيف عليهم وليس بالمستغرب وقوعه، بحكم انهم اطلعوا من قبل علي عشرات الآلاف من قضايا الرشاوى والفساد… واصبحت عندهم (مناعة) قوية ضد الاستغراب والاندهاش!!
٤- اكتب عن (تاريخ الرشوة في السودان.. كيف كانت في زمن الستينيات…وكيف هي حالها اليوم.).، ساكتب عن حالات رشاوى شهيرة نالت شهرة واسعة نشرتها الصحف السودانية والاجنبية في صفحاتها الاولى ، حالات رشاوى يندر ان لا يكون هناك سوداني غير ملم بها.
٥- الحالة الاولي:
(أ) اكبر صدمة تلقاها المواطن السوداني عام ٢٠٢١، عندما كشفت نيابة الأموال العامة تفاصيل مثيرة حول بيع خط “هيثرو” في الإقلاع والهبوط للخطوط الجوية السودانية بمطار”هيثرو” الدولي بلندن، وان النيابة كشف حقيقة بيع الخط بمبلغ (١١٥)مليون دولار.
(ب)- موضوع بيع خط “هيثرو” ظهر لاول مرة عام ٢٠٠٦ في الصحف بتفاصيل غير كاملة ومختصرة ، لان الصحف وقتها كانت تحت رقابة عسكرية صارمة، ولكن بعد (١٦) عام ، وبعد سقوط النظام البائد، تكشفت الحقائق الاليمة حول الرشوة التي دفعتها الشركة الكويتية للوسطاء الكبار في شركة الخطوط الجوية السودانية وكانت مقدارها (١٦) مليون دولار!! ، والغريب في الامر، ان المحكمة التي نظرت في القضية لم تتطرق اصلآ لموضوع العمولة والرشوة!!، اهتمت فقط بموضوع كيفية ضاع الخط الحيوي من السودان!!
٦- الحالة الثانية:
موضوع بيع “الفلل الرئاسية” في الخرطوم -(وهي فلل لا رئاسية ولا يَحزنون!!) -، أُطلق عليها كلمة رئاسية من باب التفخيم وربما لتبرير الأموال الضخمة بالعُملة الصعبة التي أُهدرت في تشييدها لاستقبال القادة الأفارقة والعرب في مؤتمري القمة الأفريقي ثم العربي في العام ٢٠٠٦).. تم بيعها في ظروف مريبة للغاية، الجهة الاجنبية التي اشترت الفلل وتقيم فيها الان دفعت عمولات قدرت بنحو (١١) مليون دولار!!، اما الباعة والسماسرة الذين باعوها فهم الان يقيمون في الخارج منذ زمن طويل… والملف ملقي باهمال شديد في النيابة العامة!!
٧- الحالة الثالثة:
عندما تولى الدكتور/ مصطفي اسماعيل مهام وزارة الاستثمارعام ٢٠١٥ ، واجهته مشكلة الشكاوى العديدة من المستثمرين الاجانب وخاصة السعوديين، الذين اعلنوا صراحة ان هناك مسؤولين كبار في السلطة يتعمدون وضع العراقيل امام استثماراتهم في السودان، وان بعض من هؤلاء الكبار طلبوا صراحة رشاوى بالدولار لتمرير الاوراق ووضع الاختام والتوقيعات النهائية عليها!!، وانه بدون دفع (حقي وين؟!!) لن تري مشاريعهم النور!!… لهذا كان من الطبيعي ان تنتهي المشاريع الاستثمارية الاجنبية، وان يقوموا المستثمرين بسحب اموالهم، المجلس الوطني المنحل نقاش اسباب هروب المستثمر من السودان، ولكنهم لم يصلوا الي حل للقضاء على ظاهرة الرشوة… لانها كانت محمية من جهات عليا!!
٨- الحالة الرابعة:
جاءت الاخبار في الصحف السودانية والاجنبية عام ٢٠١٨، ان نحو( ٤٠) الف لاجئ سوري في السودان قد حصلوا على جوزات سفر سودانية بعد ان دفع كل منهم نحو (١٠) الف دولار!!، هذه الجوازات خرجت من ادارة الجوازات والهجرة بتوجيهات عليا!!… حتي اليوم لم نسمع بمحاكمة من قاموا باستخراج الجوازات السودانية من قلب ادارة الجوازات والهجرة؟!! ولا تم اعتقال السماسرة الوسطاء الذين قاموا بتحصيل ملايين الدولارات من اللاجئين السوريين!!
٩- عودة الي عنوان المقال:( كيف كانت الرشوة في اوائل اعوام الستينات ؟!!:
(أ) في سنوات الستينات كانت القوانين الصارمة قد طبقت على اصحاب الدراجات بعدم اصطحاب شخص اخر علي نفس الدراجة جاء في القاموس : (ردَف الرَّجُلَ: ركِب خلفَه)، وكانت المخالفة المالية كبيرة، ولكن جرت العادة ان يغض رجل الشرطة النظر عن تسجيل المخالفة في حال دفع المخالف مبلغ (٢٥) قرش!!، لذلك كانوا رجال الشرطة يعسكرون امام دور السينما في انتظار خروج الجمهور…حيث منهم ياتي الرزق الواسع
(ب) طلب احد رجال شرطة المرور مقابلة الضابط المسؤول المباشر عنه لشرح قضيته، اذن له الضابط بالمقابلة، واستفسره عن السبب، قال رجل الشرطة: “…يا سعادتك، الحياة اصبحت لا تطاق ، والزوجة حبلى ولا مال كافي عندي، ارجو ان تنقلني من مكاني الحالي للعمل في الموقع الجديد في “صينية” كوبري الخرطوم بحري، هناك الحال حيتعدل.”. – (ملحوظة: كل من عمل في هذه الصينية من رجال شرطة المرور، اغتنوا واثروا مال كثير، لانهم كانوا يفرضون مخالفات كثيرة، ويخاطبون اصحاب السيارات بعد توقيفهم: “الغرامة بدون ايصال اتنين جنيه.. بايصال الحكومة ستة جنيهات”)!!… ولظروف انسانية امر الضابط بنقل شرطي المرور العمل في صينية كوبري بحري!!
١٠- وأخيرًا :
هل حقاً ماتت قضية “تاركو” ولحقت قضايا بيع الخطوط الجوية السودانية ، وخط الطيران “هيثرو”، والفلل الرئاسية، وبيع الجوازات السودانية، والنقل النهري؟!!… نامل ان نسمع رد على السؤال من النيابة العامة ، ولا اسكت الله لكم حسآ.
الجريدة

اقرا ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى