
شاهد اول حوار لوزير التعاون الدولي عقب الاعفاء وكيف وصف نظرية الصدمة – تفاصيل
رياح التقليص الوزاري دَفَعت بعددٍ لا بأس به في قائمة المُغادرين رغم قصر المدة التي قضاها وزراء حكومة الوفاق الوطني التي لم تتجاوز عاماً ونصف.. السفير إدريس سليمان من السلك الدبلوماسي، ثم الاستقالة عقب المُفاصلة، ثم العودة مرةً أخرى الى الحكومة لكن بحقيبة وزير هذه المرة، قبل إعفاؤه عبر القرارات الأخيرة.. ماذا قال عن تجربته داخل الوزارة، وكيف قَابَلَ ذلك، ثُمّ ماذا بعد الوزارة؟
تساؤلات وغيرها طرحتها (التيار) على إدريس سليمان وزير التعاون الدولي وإلى التفاصيل:-
الخرطوم: سلمى عبد الله
ماذا تقول عن تجربتك عبر حقيبة التعاون الدولي؟
نحن أصبحنا في الوزارة بناءً على مخرجات الحوار الوطني بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني الحالية وحاولنا أن نجتهد في الملف الموكل إلينا “التعاون الدولي”، والتعاون الدولي يعني لي مزيداً من استقطاب الموارد “موارد التعاون المُختلفة” للسودان.
والتمويل الذي يأتي لا بُدّ أن يتوجّه للأولويات الوطنية، لذلك لابُدّ أن تبدأ بشراكة حقيقية بيننا وبين الشركاء الدوليين، و”الحمد لله” قطعنا شوطاً في هذه المسألة قبل مغادرتنا الوزارة.
قبلتم المُشاركة رغم مُعارضة واسعة داخل الحزب هل حقّقتم شيئاً من أهدافكم؟
التجربة بالنسبة لي لَيست جديدة باعتباري عَملت في السِّلك الدُّبلوماسي، ورُؤيتي في هذه الوَزارة كَانت وَاضحة، وتَجربتي في العَمل الخارجي كانت تُسَاعدني على هذا الأمر، ولم تَكن لديّ مشاكل، والإشكالية الوحيدة هي المُمارسة والتّجربة ومُضي زمنٍ طويلٍ جداً على الناس لم يحاولوا.
وضح أكثر؟
خلال العشرين عاماً الماضية التعاون الدولي في السُّودان كان يُدار بطرق مُباشرةٍ من قبل المانحين، حاولنا أن نقول “لا” نحن شركاء، ويجب أن تكون لدينا أولوية وطنية، ولابُدّ من التّخطيط والتفكير في المشروعات التي نختارها، هذه كانت المسألة الجديدة التي وجدت مقاومة لأنّه شئٌ لم يعتد عليه الناس في السابق.
ماذا تعني بمُقاومة؟
تعني أنّ الإنسان يمضي على الشئ الذي اعتاده وما اعتادوا عليه، أن تكون المسألة هزلاً و”المسألة تمشي هكذا” كيف ما شاء.
وكان الأمر مبعثراً، وحاولنا أن نلملمه وان يكون بصيغة مقبولة وهذه المسألة ليست اختراعاً جديداً، بل هي متوافق عليها من المجتمع الدولي عبر اتفاق باريس للعون الخارجي لأنّ مسألة العون الدولي بها كثيرٌ من الإشكالات، ولابُدّ أن يُدار العمل بطريقة ما وأن يكون العمل به تناسقٌ.
الكل يعلم بشكل العلاقة بين الوطني والشعبي.. هل واجهتك صُعوبة في إدارة الوزارة؟
المُشكلة في الوزارة ليس الوزراء، صحيح البشر قد يكون في بعض الأحيان مشكلة، لكن المشكلة الأساسية في هذه الوزارة إنّها لم تستقر طيلة الفترات السابقة وحُلّت أكثر من مرة، وأي مؤسسة تُحل تفقد الذاكرة المؤسّسية، مثلاً تجارب الوزارة السابقة الجيدة أو التي بها أخطاء لا نعلم عنها شيئاً لأنّها مُشتّتة ودخلت الأضابير والأرفف، ولا بُدّ من الاستقرار حتى تَستفيد من التجارب وهذه مشكلة التعاون الدولي لم يقر لها قراراً وكان حولها صراعٌ عنيفٌ، والملفات تشتت على جهات عديدة بعد الحل وبعد أن أُنشأت مرة أخرى كان من الصعب جمع كل هذه الملفات وستكون هناك مُقاومة.
لماذا تتوقع المقاومة؟
لأن القبلية أو العصبية المهنية إحدى مشاكل هذا العصر، والتعاون الدولي ككل الوزارات أصبحت قبيلة وما يأتيها من ملفات هو مِلكٌ لها. عدد من الوزارات كانت لها صلة بالملفات، وزارات المالية والخارجية والضمان الاجتماعي والاستثمار والعون الإنساني والتجارة كلها لديها صلة بالتعاون الدولي، وحتى تجمع هذه الملفات ومن الولايات أيضاً كان صعباً وعسيراً، لكن استطعنا أن نجمع بعد أن أقنعناهم باستراتيجية بأنّ دور وزارة التعاون الدولي تنسيقي، ووجدت ملفات الوزارة مبعثرة لأنها نشأت قبل تكليفي بها بوقت قصير.
هل كُنتم راضون بما قُدِّم لكم من وزارات؟
بعض الشركاء يتطلّبون مُشاركتك، لكن دائماً يعطونك القسمة الضيزى، ويعتقدون أنّ هذا “قدرك”، وأنّهم إذا أخذوا منك هذا الملف فلن تحتج لأنك أصغر وانك تريد موقعاً ومكانة، وإذا بدأت بالتحرك ومحاولة إرجاع الأمور إلى نصابها، تحدث المشاكل.
يقال إنّ الوزراء عند دخولهم للمكاتب يجدون الملفات جاهزة.. هل وجدت ذلك؟
نعم “طبعاً”، لكن أنا لست من النوع الذي يقبل بالملفات الجاهزة ولم أقبل، وأيِّ مَلَف حَتّى التي أعدّها أنا بعد مُدّة أخضعها للتّقييم والمُراجعة “لا أقبل أي شئ” أو أي طرح أو ملف، ووجدت الوزارة “شغّالة بطريقة معيّنة ما عجبتني وغيّرتها”، وأعتقد أنني حَقّقت إنجازات.
هل تَفَاجَأ المُؤتمر الوطني بأداء وزراء الشّعبي بعد غياب 18 عاماً من الحُكم؟
والله لا أدري، لكن نحن مازلنا شركاء، لا نريد “ما يلخبط علينا”، لكن الشخص الذي يتفاجأ في أداء المؤتمر الشعبي يكون شخصاً لا يعلم من هو المؤتمر الشعبي وهو حزبٌ مؤهّلٌ ويُخطِّط وبه كوادر لديها قدر معقول من التجربة والخبرة.
المؤتمر الوطني هل يخشى من تحرُّكات وزراء الشعبي؟
في العمل السياسي إذا لم تخشَ المنافس في إطار التحسبات المُستقبلية تكون حزباً بليداً، رغم إننا بعيدون عن الحكم لكن “الحمد لله الحمد لله”، لأننا أتينا لتقديم رسالة وخدمة هذا الشعب وهذا واجبٌ علينا، وكل ما نستطيع علمه لن نتأخر.
ماذا قلت عندما طُلب منك أن تتولّى هذا الموقع؟
قلت لهم “شغّال كويس بأكل أحسن واصرف أحسن”، لكنني قبلت بالذهاب لوظيفة محدودة بمرتب محدود تركتها، لأنني أعتقد أنّ عليّ واجباً تجاه هذا الشعب، وانا ادعيت دعوة كبيرة جداً ولديّ رسالة وقضية ودعوة ومبادئ ومثل، بالتالي اذا طلب عينة مما أدعو إليه فإنني أجتهد، ولابد أن ننجز وهذا ما حاولنا، فإن وُفِّقنا فمن الله تعالى وإن اخطأنا فمن أنفسنا والشيطان.
كيف تم إبلاغك بقرار التقليص.. هل كان هناك تشاور.. ولماذا اختار الشعبي وزارة التعاون الدولي؟
نعم هناك قدرٌ من التشاور، لكن ليس بالكافي، تم التشاور معنا كحزب وكأعضاء في المنسقية العليا للحوار الوطني، لكن التشاور هذا واحدٌ من إشكالات المؤتمر الوطني الأساسية، وأريد ان ألفت اليها أنظار الإخوة في المؤتمر الوطني “بيت الشورى ما بخرب”، وإنت عندما تستشير لن تخسر شيئاً، ولا بُدّ من استشارة كل الشركاء، وأن تكون هذه المشورة بعمق الأخطاء التي وقعوا فيها في التشكيل الوزاري الأخير وإذا استشاروا ما كانوا ليقعوا فيها.
هذا فقط أم هناك شئ آخر؟
الشئ الآخر، الإجراء الذي تمّ نحن الذين بادرنا به منذ فترات سابقة، منذ التّشكيل الأول قدّمنا للمؤتمر الوطني مُقترحاً بحتمية التقليص والإنفاق العام، ولابُدّ من تقليص الهياكل الدستورية ابتداءً من القصر وانتهاءً بأقل محلية في أبعد مكان بالسودان يحدث تقليص، وقدمنا مقترحات كثيرة في هذا الجانب، وأذكر أننا طلبنا أن لا تكون الوزارات أكثر من 20 أو 21 وزيراً، وتقدّمنا بمُقترح تسمية الوزارات والشكل الذي يجب أن تكون عليه ومسؤوليتها وهم لم يعملوا بهذا المُقترح، لكن الآن قبل فترة نحن أعدنا طرح المبادرة.
وماذا حدث؟
طرقنا عليهم مرة أخرى آخرها في معايدة الحزب بمنزل الأمين العام د. علي الحاج، وكذلك من خلال تشاوراتنا مع الشركاء الآخرين “المؤتمر الوطني”، ونحمد لهم أنهم استجابوا واتّخذوا هذه الخطوة رغم اعتقادنا بأنّه مازال هُناك مَجالٌ من التقليص، لأنه يعني ترشيد الإنفاق وفي ذات الوقت مزيدٌ من الفعالية، وان هنالك إرادة سياسية ويعطي رسالة للشعب بأنّ النُّخب السِّياسية معه في خندقٍ واحدٍ وتضحي حتى بمواقعها ومُخصّصاتها وأنصبتها في الأجهزة الرسمية من أجل ضغط الإنفاق العام، هذه رسالة مُهمّة وتخلق ارتياحاً وسط الشارع العام وتُقدِّم قدوة وتُوفِّر مبالغ كبيرة جداً.
كم راتب الوزير؟
الوزير راتبه لا يتجاوز (14) ألفاً، ووزير الدولة أقل منه والوكيل أقل والمعتمد، لكن عندما تجمع تجدها مبلغاً، والدستوري هناك صرف حوله، سكرتارية ومكتب وتلفونات وبنزين وعربات كل هذا سيعود لخزينة الدولة، أهم ما فيها ليس التوفير المادي فحسب رغم أهميته، لكن هذا يقدم رسالة أنّ السِّياسيين ليسوا أنانيين ولأننا أولاً “نكفِّي روحنا وبعدين نشوف قضايا الشعب”، هذا لا يصح، لابد لنا كسياسيين أن نقدم نموذجاً للتنازل ومازال هناك مجالٌ، وما لا يدرك كله لا يترك كله.
كم راتبك؟
(14) ألف جنيه وشوية.
لكن إلى أيِّ مدىً قد تستمر الدولة في سياسة الحكومة الرشيقة؟
سؤالٌ جيِّدٌ اذا قدم الدعم للخزينة “على طول” وأُبعدت عن الأجسام المُوازية بمعنى أن نعزل شخصاً من وزارة ثم نستحدث له جهازاً آخر بمرتب ومُخصّصات وزير، لأنّ فلاناً هذا كذا أو كذا، كأننا لم نفعل شيئاً.
وما هو رأيك في هذا؟
هذا أسوأ شئ في السودان، مثلاً وزارة التجارة في مقابلها مفوضية التفاوض مع منظمة التجارة الدولية حتى يتمكّن السودان من الدخول.. “طيب” ما هو دور وزير التجارة وما هي مُهمّة الوزارة إذا تَمّ إنشاء مفوضية لإدخال اسم السودان، والاجتماع مرة في كل عام، الأجسام المُوازية تخلق كثيراً من التقاطعات وتفشل المؤسسات وتحوّل العمل بأكمله لمجاملات وتقوم على المُحاصصات وتوزيع الغنائم وهذه أسوأ طريقة يمكن أن تُدار بها دولة.
كيف؟
الناس الآن يتحدثون عن الفساد، والفساد أنواع وهذا نوع من أنواع الفساد الإداري، اذا لم يتوقف وإذا لم تُعاد هيكلة الدولة بأكملها “من أولها لآخرها” حتى تكون لدينا دولة مُؤهّلة وكفؤة وفعّالة لن يكون هناك عمل مهما وضعنا من خطط وبرامج ولا نستطيع إنجازه، ولا توجد مؤسسة حتى تنجزه، لذا لا بُدّ من إنشاء دولة مؤسسات لا دولة أفراد أو مجاملات أو دولة “شيلني وأشيلك”.
لكن طرحكم هذا قد لا تقبله الأحزاب الأخرى الموجودة على أساس اقتسام السُّلطة والثروة؟
لابد لها أن تقبل، ومشكلتنا الأساسية المؤتمر الوطني والأحزاب عندما عرض عليها تقليص الحكومة وافقت.
موقف الشعبي الداخلي من التقليص؟
“ناسنا” عندما عُرض عليهم التقليص وأنه سيؤخذ من حصتكم وزير، لم يحتجوا ونحن أصلاً لدينا “وزيران”، أخذوا وزيرا وتركوا وزير دولة، واذا قيّمنا هذا نحن كحزب تقريباً أقل من حجمنا وقدرنا وتأهيلنا وما يُمكن أن نؤديه بكثير، لكن الإشكالية الأساسية “عند ناس المؤتمر الوطني” لأنّه قائد هذه الشراكة ولابد أن يقدم النموذج الأفضل والأمثل.. مُشكلة حَقيقيّة يُعاني منها المؤتمر الوطني، لا يَستطيعون التّخلِّي عن المَواقع والمَناصب “والدنيا تقوم” ومُحاولات الإفشال التي تمّت مُعظمها بسبب المؤتمر الوطني أو بسبب “الناس الفَرّاجة” من الوطني.
كيف؟
لأنّهم كانوا يَشغلون وزارات، والآن هم خارج التّشكيل وهم مُعترفون بذلك “بدفروا وبحفروا ويضعوا العصا في الدواليب”، هناك تعويق لأنهم يريدون “بأية طريقة أن يُشك الورق مرة أخرى” ربما كان حظه أوفر في المرة القادمة لابد من الترفع، واذا كانوا يريدون الإصلاح.. السودان الآن على المحك ولدينا مشاكل ولا بد أن تُحل وحلها ليس مستحيلاً اذا كان هناك صدق ومنهج وإرادة.
الشارع السوداني غير متفائل بما تَمّ من تغييرات وإعادة ذات الوجوه؟
الشعب السوداني ذكي ولمّاح ويحلِّل، لذا نحن نقول لا شخص سواء كان من المؤتمر الوطني أو غيره، الآن هو الوقت المناسب لتقديم ما يقنع الشعب، هناك تشكك نعم، لذا نريد تقديم شئ يقنع الشعب، اننا تغيّرنا أو أننا سنفعل الأفضل أو ستكون لدينا سياسات أوفق وأجود، ولا بد أن نقدم ما يقنعه، لأن الأوضاع وصلت ذروة التعقيد والشعب بدأ ييأس من الإصلاح والمستقبل الأفضل، وهذا أسوأ شئ ولا بُدّ من بث الأمل بالقدوة الجيدة وتقديم سياسة اقتصادية رشيدة وإبعاد أصحاب الأجندة والمصالح.
ما تعليقك على وعد رئيس الوزراء معتز موسى بحل المشكلة الاقتصادية بنظرية الصدمة؟
“يضحك”.. أعتقد أن مفردة الصدمة “فلتة لسان” وهو لم يقصد النظرية الاقتصادية.
التيار