
هل ستؤدي التعديلات الأخيرة في السودان إلى تحقيق أحلام المواطن البسيط؟ وهل ستنجح الإجراءات التقشفية في إنقاذ الاقتصاد من وهدته؟
الجريدة: سعاد الخضر
المشهد أمس الأول في الشارع السوداني كان مختلفاً عن المشهد داخل المؤتمر الوطني فالشارع مشغولاً بتفاصيل حياته اليومية غير عابئ بما يخبئه اجتماع المكتب القيادي الطارئ للحزب الذي أفضى إلى حل حكومة الوفاق، في منتصف الساعة التاسعة مساء ترجل البشير عن سيارته وهو مبتسم إلى داخل المركز العام للحزب، وعلى غير العادة اتسمت القرارات الأخيرة بالسرية والكتمان حتى أن وفداً صحفياً سبق نائب رئيس الجمهورية الذي تم إعفاؤه إلى ولاية جنوب دافور وبلا سابق إنذار تلقى صحفيو التغطية دعوة لتغطية اجتماع طارئ للمكتب القيادي، ربما لم يتفاعل الشارع لأن ما يعنيه من الحكومة هو (نزول سعر قفة الملاح) فهل ستؤدي التعديلات الأخيرة إلى تحقيق أحلام المواطن البسيط؟ وهل ستنجح الإجراءات التقشفية في إنقاذ الاقتصاد من وهدته؟
مغادرة حسبو وبكري
كان أول المغادرين للاجتماع رئيس مجلس الوزراء ونائب الرئيس حسبو، ورجّح صحفيون أنهما غادرا غاضبين، وأن مشهد خروجهما عبّر عن حالة الاحتقان داخل الوطني، إلا أن نائب رئيس الحزب د. فيصل إبراهيم نفى في تصريحات محدودة وجود أي احتقان بسبب الإعفاءات الأخيرة، واعتبر أن التغييرات في الوطني عادية.
فشل الرهان
وأعرب رئيس الجمهورية المشير عمر البشير عن تقديره للشعب السوداني عن تفهمه العميق لما تمر به البلاد من ظروف اقتصادية ضاغطة على الأوضاع المعيشية للمجتمع، وما أبداه الشعب من صبر ومصابرة، وأكد أنها عبرت عن مواقف وطنيـة صادقة قطعت الطريق على كل من راهن على حدوث توترات اجتماعية جراء ذلك، وقال البشير في الخطاب الذي ألقاه أمس بالقصر الجمهوري: “هذا ديدن شعبنا في مواجهة كل التحديات التي برزت في مسيرة البناء الوطني، وهي تحديات أفرزها حصار اقتصادي جائر وتضييق، بل إغلاق مخطط على منافذ الموارد الخارجية، وأرجع ذلك لتمسك البلاد بمبادئها وصيانتها لاستقلالها وعدم ارتهان مواقفها المبدئية لإغراءات الدعم والمساندة في حالة تخليها عنها”، وأكد أن الحكومة ستظل على العهد باقية مهما تعاظمت التحديات، وراهن الرئيس على مقدرة الحكومة على تجاوز تلك التحديات اعتماداً على النفس وبكل جدارة وإصرار، وتابع: “سبق وأن تجاوزنا حالة الحرب التي فرضت علينا وعبرنا باقتدار حالة فرض الاحتراب الداخلي على مجتمعنا، وسنجتاز بمشيئة الله المصاعب الاقتصادية توكلاً على الله تعالى، وقناعة منا بقوله الكريم، ورزقكم في السماء وما توعدون فهو المولى والنصير”.
خطة لتجاوز التحديات
وكشف البشير عن خطة الحكومة لتجاوز التحديات الاقتصادية بمغالبة تحديات الاقتصاد إلى الاعتماد على الذات والتي ستبدأ بمراجعة مشروعات التنمية بإعادة النظر في أولوياتها وفقاً لأهميتها وفق منظور التنمية من أجل معاش الناس بالبرنامج التركيزي لحفز الإنتاج في المشـروعات الزراعيـة الكبرى، والتي تعول عليها الحكومة لسد احتياجات البلاد الغذائية، وتعزيز الصادرات لتوفير المـوارد المطلوبـة لاستكمال مشروعات البنيات الأساسية، وأعلن عن شروع الحكومة بمشاركة المخلصين من أبناء الوطن والأصدقاء الحادبين على وضع وتنفيذ برنامج إسعافي عاجل يتضمن مشروعات بعينها ذات عائد مباشر لرفع مستوى الأداء والإنجاز في الاقتصاد الكلي من أجل تحسين معاش الناس خلال مدى زمني معلوم، ويجري تخصيص الموارد المطلوبة لها بواسطة رئاسة الجمهورية لضمان حسن التوظيف المطلوب لتوفير الاحتياجات الضرورية للاستخدامات الاستراتيجية، ونوه الى أن ذلك البرنامج المشروع الوطني المرحلي لإعادة التوازن الاقتصادي.
هيكلة الجهاز التنفيذي
واعتبر الرئيس أن تنفيذ مشروع متكامل لإعادة هيكلة الجهاز التنفيذي هو الاتجاه الثاني لمغالبة هذه التحديات، ونوه الى أن الهيكلة تمت على مستوى رئاسة الجمهورية ترشيداً وقضاءً على الترهل الوظيفي ثم إعادة هيكلة التمثيل الخارجي لخفض مصروفات العمل الخارجي، وضمان حسن التوظيف للموارد، وأرجع خطوة إعادة الهيكلة لإعمال مبدأ تخفيض الإنفاق العام الذي يجسد مبدأً مركزياً في إنفاذ البرنامج الوطني للتوازن الاقتصادي، وتعهد البشير بمتابعة لصيقة لتنفيذ اعادة الهيكلة لضمان أن الإنفاق سيكون على قدر الحاجة التي تضمن فاعلية الأداء دون ترهل أو صرف غير ضروري، وأكد استمرار الحكومة في تخفيض التمثيل الخارجي حال أثبتت المتابعات الحاجة لمزيد من التخفيض، وأعلن عن نقل إعادة الهيكلة لبقية مكونات الجهاز التنفيذي المنوط بها قيادة العمل التنفيذي وفق إجراءات إعادة هيكلة جذرية تشمل كل الوزارات بدءاً بوزارتي مجلس الوزراء وديوان الحكم الاتحادي، بما يحقق الاتساق ما بين حسن أداء المهام وما بين ضبط الصرف الحكومي لتحقيق هدف واحد لن تحيد الحكومة عنه مهما كلفها، وهو إصلاح الخدمة المدنية وتطوير الوظيفة العامة للوصول إلى خدمة مدنية مؤهلة مدربة تستخدم التقنية وفق أعلى معايير الجودة والتميز خدمة لمواطنيها ولمجتمعها.
فاعلية الأداء المؤسسي
وجدد البشير التزامه بتحقيق التوازن الاقتصادي الكلي بالتنفيذ الصارم والمتابعة التقويمية الرشيدة عبر رئاسة الجمهورية، ونوه الى أن من بين تلك الالتزامات مراجعة هياكل السلطة على المستويين الاتحادي والولائي، وكذلك على مستوى المؤسسات العامة للدولة وذلك من خلال المزاوجة بين عناصر ثلاثة تشمل توفر فاعلية الأداء المؤسسي، ترشيد الإنفاق العـام عند حده الضروري إن لم يكـن حده الأدنى والمحافظة النسبية على تنوع المشاركة وفق روح الحوار الوطني التي جسدتها.
أجهزة مترهلة
وقال البشير إن ذلك أحد مطلوبات برنامج تحقيق التوازن الاقتصادي مما استدعى إحداث مراجعة في هذه الأجهزة بما يحقق الهدف المنشود لتأخذ نصيبها من التخفيض الذي يستجيب للظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد، وأقر البشير بترهل الحكومة وقال: “لا حاجة لأجهزة حكم مترهلة تخصص لها ميزانيات في ظل وضع اقتصادي ضاغط يكابد في توفير الاحتياجات الضرورية مما يستلزم تكامل الدور الرسمي مع الدور المجتمعي في تحمل تبعات الإجراءات الاقتصادية التي تتطلبها مغالبتنا لتحديات وضعنا الاقتصادي”، ونوه الى أن ذلك دفعهم للتشاور مع مكونات حكومة الوفاق الوطني ممثلة في اللجنة العليا لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني في المراجعات الأخيرة التي تم فيها توافقنا على فهم مشترك لتخفيض أجهزة الحكم على المستويين الاتحادي والولائي، خفضاً للإنفاق العام وفي ذات الوقت تجديداً لروح الأداء لمواصلة الجهد المطلوب لتجاوز التحديات”، وأكد قناعته الراسخة بأن البلاد تذخر بإمكانات لا تمكن فقط من تجاوز المصاعب الاقتصادية، بل تحقق نهضة متكاملة. وأضاف: “استناداً على هذا التشاور وما أفرزه من روح إيجابية ومتعاونة من أحزاب الحوار الوطني، جاء صدور قراراتنا الأخيرة وسيتبعها تخفيض في عدد وزراء الدولة إلى الحد الضروري، كما سنعكف خلال مقبل الأيام على إجراء تخفيضات هياكل الحكم الولائي على مستوى الوزراء والمحليات، وفقاً لما نصت عليه توصيات مؤتمر تقييم وتقويم نظام الحكم اللامركزي، والذي شارك فيه أهل المعرفة والدراية والخبرة، بحثوا فيه تجربة الحكم الاتحادي ترشيداً لمسارها، وفق أجهزة فعالة بعيدة عن الترهل وضبطاً للإنفاق فيها وفق فعالية تقدم الخدمات المطلوبة للمواطنين والمجتمع بإجراءات مبسطة قليلة الكلفة”.
تشكيل الحكومة
وأعلن البشير عن تشكيل الحكومة خلال اليومين القادمين بإعادة تشكيل حكومة الوفاق الوطني بعد أن يستكمل رئيس الوزراء مشاوراته حولها، وحدد البشير ملامح الحكومة القادمة، وقال: “لتتأسس على أمل متعاظم في أن تكون الأداة الفاعلة لقيادة العمل التنفيذي في اتجاه إنجاز المهام المرحلية لتنفيذ البرنامج الوطني لتحقيق التوازن الاقتصادي”، وحدد واجبات أولويات الحكومة المقبلة وتتمثل في إنفاذ برنامج تفصيلي وواقعي لإصلاح الخدمة المدنية وتشريعات وهياكل لخدمة للمواطن والمجتمع باستكمال إعادة هيكلة الوزارات والأجهزة الحكومية، وفق مبدأ المزاوجة ما بين الفاعلية المطلوبة في الأداء وما بين خفض الإنفاق العام وترشيد الصرف الحكومي بجانب تعزيز البيئة الجاذبة للاستثمار بما يجعلها متجاوبة مع متطلبات الاستثمار بشقيه الوطني والأجنبي، فضلاً عن إعداد مشروع موازنة العام المالي 2019م بتركيز على تحسين معاش الناس وفق إجراءات مستدامة، وتحقيق التنسيق وتكريس تناغم الأدوار على المستوى الفـردي والتضامـني في تصـريف مهام مجلس الوزراء، وشدد على ضرورة ضبط أداء وزارات المجلس ومحاصرة كافة أشـكال التسيب وإعمال مبدأ المحاسبة ثواباً وعقاباً وتعزيـز سـبل مكافحة واسـتئصال الفساد بكافة أشكاله، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ توصيات الحوار الوطني للوفاء بمقتضياتـها خاصة في إقـرار التشريعات والقوانين المتفـق عليها وصولاً لتهيئة البلاد لاستحقاقات الانتخابات المرتقبة في 2020م.
وأكد الرئيس: “أن ما تمر به بلادنا من مصاعب اقتصادية لن يكون مطلقاً مصدراً للإحباط”، وتابع: وإنما نستلهم من عبرتها العزم والعزيمة وشحذ الهمم لتجاوزها متوكلين في ذلك على الله سبحانه وتعالى ومن ثم على إرادة شعبنا التي لم تخذلنا يوماً، وإننا بمشيئة الله لبالغون أهدافنا في المدى القريب والمنظور لنهيئ لشعبنا حياة حرة كريمة توفر له احتياجاته الضرورية وتكفل له العيش الكريم بمشيئة الله”.
وقال رئيس حزب المؤتمر الشعبي، ممثل الأحزاب السياسية المشارِكة في الحوار، الدكتور علي الحاج، في تصريحات صحفية، إن الأحزاب المشارِكة في الحكومة وافقت على حل الحكومة، من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي، وأشار إلى أن كل ممثلي الأحزاب السياسية باركت خطوة البشير بحل الحكومة وتعيين حكومة رشيقة للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد. وأبان أن هناك اتجاه أيضاً لتقليص عدد الولايات، إلا أن الأمر سيخضع لمزيد من النقاش بين حزب المؤتمر الوطني والأحزاب المشارِكة في الحكومة، للوصول لرؤية توافقية حول تقليص الولايات أو الإبقاء عليها في وضعها الحالي.
وكشف فيصل يس رئيس حزب المنبر الديمقراطي القومي، عضو اللجنة العليا للحوار لـ«الجريدة» أن الرئيس البشير وضح لهم حيثياته لحل الحكومة، وأنه ذكر أن الأزمة الاقتصادية تفاقمت، والجهاز التنفيذي مترهل، وأضاف البشير، – بحسب فيصل – «السودان دولة غنية ولكن لديه مشكلة في الإدارة، ويحتاج إلى ضبط وتنظيم وتجويد، وقال فيصل: من جانبنا كمنبر ديمقراطي عززنا القرار، ونعتبره تحولاً حقيقياً في الانحياز للشعب السوداني، الذي كان يرى أن الحكومة بعيدةً عنه بإنفاقها الكبير دون إحساسها بهمومه وآلامه اليومية، في الوقت الذي طالب فيه رئيس حزب الأمة الفيدرالي د. بابكر نهار في اجتماع آلية الحوار بتفعيل قانون «من أين لك هذا؟»، وقال: «إن محاربة الفساد ينبغي أن تكون بتوجيه السؤال لابن المزارع الذي استوزر وأصبح يمتلك القصور»، فيما وصف أمين أحزاب الوحدة الوطنية عبود جابر القرار بالحكيم، واعتبرته تابيتا بطرس بأنه القرار المنتظر. وقال مبارك الفاضل: نحن الآن ننتقل من سياسة الترضيات إلى سياسة قوية تعنى بالتنمية والاستقرار، والمشاكل التي عشناها في الفترة الأخيرة ليست وليدة اللحظة، ولكنها تداعيات أكثر من كونها سياسات، نحن دولة غنية نحتاج إلى تصويب السياسات وإصلاح دولاب الدولة لتقديم الكفاءات، كل التداعيات التي شهدناها من حملة ضد الفساد تعتبر أخطاء تراكمية، والآن اتخذنا خطوة جريئة تدعم الحوار الوطني بتقليص الوزارات، ومؤسسة الرئاسة والمحليات، وأنا أؤيد بقوة ذلك وهذه هي القناعة التي دخل بها حزبنا الحوار. وأضاف مبارك: القطاع الاقتصادي حقق كثيراً من النجاحات وأن الإيرادات في زيادة خاصة «السمسم والفول».
وقال بحر إدريس أبو قردة عضو اللجنة في تصريحات صحفية عقب اللقاء إن هذه الإصلاحات تشمل كافة الأجهزة على المستوى الاتحادي والولائي والمحلي وكافة المؤسسات بجانب إصلاحات قانونية وإدارية تصب في صالح الإصلاح الاقتصادي.
وفي السياق ذاته أعلن نائب رئيس المؤتمر د. فيصل حسن إبراهيم في تصريحات صحفية عقب انتهاء المكتب القيادي لحزبه أمس بالخرطوم أن الاجتماع اعتمد فصل منصب رئيس مجلس الوزراء من نائب رئيس الجمهورية، وأجاز تكليف د. معتز موسى سالم برئاسة مجلس الوزراء على أن يشكل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية مع الإبقاء على الفريق أول بكري حسن صالح نائباً لرئيس الجمهورية، كما أبقى الاجتماع على ثلاثة وزراء آخرين (كوزراء مكلفين) وهم وزير رئاسة الجمهورية ووزير الخارجية ووزير الدفاع، كما تم إعفاء نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن وتكليف محمد عثمان كبر نائباً لرئيس الجمهورية، وكشف فيصل عن خطاب لرئيس الجمهورية اليوم يوجه للشعب السوداني لتبيان المستجدات والتطورات الأخيرة، وقال نائب رئيس الحزب: إن القرارات تمت في إطار خفض الإنفاق الحكومي وتشكيل جهاز تنفيذي رشيق، وكشف عن اتجاه لتقليص 50٪ من وزراء الدولة على مستوى الحكومة الاتحادية، وأن الوزراء على المستوى الاتحادي الذين سيتم تخفيضهم (5 من المؤتمر الوطني، و5 من أحزاب الحوار) واستدرك: (أحزاب الحوار على قلب رجل واحد)، وكشف عن تقليص وزارات الولايات من (8 إلى 5) وزارات وإلغاء كل معتمديات الرئاسة والمفوضيات والمجالس، وإعادة النظر في المحليات التي بلغ عددها 189 محلية، وأضاف: المؤتمر الوطني ملتزم بمخرجات الحوار الوطني وأن الحكومة المحلولة كانت ضرورة اقتضتها المرحلة السابقة لتحقيق الوفاق الوطني، ووصف الحدث بأنه (غير عادي) .
الجريدة