
غياب الرؤية السياسية يحول إجراءات التقشف إلى عقاب للسودانيين
لجأ الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى مراكمة الإجراءات التقشفية في محاولة لإنقاذ اقتصاد متدهور ومقدرة شرائية متراجعة باستمرار. لكن إلى الآن لم تزد تلك الإجراءات سوى في تعميق الأزمة الاجتماعية في وقت ترتفع فيه أسعار المواد الأساسية بشكل تصعب السيطرة عليه.
وأقر مجلس الوزراء السوداني، الخميس، تحريرا جزئيا لأسعار صرف الجنيه السوداني، في كافة التحويلات الخارجية وعائدات الصادرات. وأعلن محافظ المركزي السوداني، محمد خير الزبير، تكوين آلية جديدة مستقلة من خارج الحكومة، لتحديد سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية.
وقال الزبير إن الحكومة لن تكون لها أي علاقة بتحديد السعر، الذي سيتم عبر خبراء اقتصاديين ومدراء بنوك ومصرفيين.
وسخر نشطاء سودانيون من الحديث عن لجنة من خارج نفوذ الحكومة، وقالوا إن السلطات تدفع نحو تحرير صرف الجنيه، ما سيدفع نحو ارتفاع جديد في الأسعار والخدمات ويزيد العبء على كاهل المواطن السوداني وتحميله ضريبة الإجراءات الحكومية غير المدروسة.
وأدى تفاقم نقص العملة الصعبة إلى فرض قيود صارمة على السحب وازدهار السوق السوداء للنقد الأجنبي، حيث يجري تداول الدولار بزيادة نحو 40 بالمئة عن قيمته. وسجل سعر الصرف الرسمي للعملة السودانية الخميس نحو 29 جنيها للدولار.
وقفز معدل التضخم في السودان إلى مستوى قياسي بلغ 66 بالمئة في أغسطس وهو أحد أعلى المعدلات عالميا. وبرغم ازدهار تعدين الذهب يقول مسؤولون إن معظم الذهب يهرب إلى خارج البلاد.
وأشار مراقبون إلى أن تعويم الجنيه لن يفضي إلى أي نتائج، ولن يغرق المستثمرين والشركات الدولية الكبرى بالاستثمار في بلد غير مستقر سياسيا ويتسم قراره بالمزاجية والتقلب، فضلا عن أن نظام البشير لم ينجح بعد في تسوية الملفات العالقة بدوره السابق سواء مع الجنائية الدولية أو في ملفات الإرهاب.
وفشلت إجراءات التقشف المتتالية في وقف تدهور اقتصاد البلاد. ويقول المراقبون إن البشير يقامر بالاستقرار قبيل الانتخابات الرئاسية التي يتمسك بإجرائها في موعدها، لافتين إلى أن السودانيين قد يعاودون النزول إلى الشارع بأكثر حماسا وإصرارا لدفع السلطات إلى مراجعة سياسة التقشف غير المدروسة.
ووعد الرئيس السوداني في فترات سابقة بترشيد الإنفاق الداخلي والخارجي، ومحاربة الترهل في الأجهزة الحكومية من أجل زيادة كفاءتها الإنتاجية، لكن ذلك لا يحقق نتائج ملموسة في تحريك عجلة الاقتصاد الذي يحتاج إلى دعم مالي خارجي واستثمارات ومشاريع كبرى لا يمكن أن تتحقق مع حالة الاضطراب في المواقف الخارجية للسودان واعتماده سياسة الأحلاف المتحولة، ما يحول دون وصول تلك الاستثمارات في المدى القريب.
وأعلن البشير عن خفض الوزارات من 31 حاليا إلى 21 وزارة، وكذلك خفض أجهزة الحكم في الولايات والمحليات، فضلا عن تقليص البعثات الدبلوماسية في الخارج، متعهدا باجتياز “المصاعب الاقتصادية” التي تواجهها بلاده، من خلال “إعادة النظر في مشروعات التنمية وفق منظور التنمية من أجل معاش الناس، وإعداد مشروع الموازنة المقبلة بالتركيز على تحسين حياتهم وفق إجراءات مستدامة”.
وتقول أوساط سودانية إن المشكلة في السودان سياسية بالدرجة الأولى، وإن على السلطات أن تعالج أزماتها على هذا المستوى أولا من خلال فتح قنوات حوار جدي مع المعارضة والتوقف عن احتكار السلطة، إضافة إلى التوقف عن المناكفات السياسية الخارجية وربط السودان بعمقه العربي بدءا من علاقات متينة مع مصر والكف عن إطلاق التصريحات المتناقضة.
وتشدد هذه الأوساط على أن السودان لن يتمكن من التخفيف من حدة أزماته، ما لم يدرك أن التخطيط والإدارة بحاجة إلى عقل منفتح على الآخرين، وأن يستوعب الرسائل المحيطة به خاصة المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا، والسير نحو بناء تحالف بين دول القرن الأفريقي بدعم من السعودية والإمارات على قاعدة تبادل المصالح، فيما يلعب السودان على حبال واهية خاصة في ضوء تبخر وعود سابقة من دول مثل قطر وتركيا وإيران.