
بينما اختار والي كسلا آدم جماع تغبيش الصورة للرأي العام حول حقيقة الأوضاع بكسلا والانتشار المخيف لحمى (الشيكونغونيا)، اختار رئيس لجنة الصحة بمجلس تشريعي ولاية كسلا، عبد الله إسماعيل، الحديث بشفافية للصحف وتأكيده عن تلقيهم شكاوى المواطنين بمدينة كسلا بخصوص الحمى، وأنه رغم حملات الرش التي تنفذها وزارة الصحة بالولاية، لمكافحة المرض، إلا أن الناقل ما زال منتشراً، وكذلك المرض،
ووصف المسؤول المعني الإجراءات التي تتخذها وزارة الصحة بالولاية بغير المجدية، وأن المرض مستشرٍ بوتيرة متسارعة جداً، مضيفاً أن مدينة كسلا لا شخص يسلم منها، وأنه على المستوى الشخصي أصيب الآن بالمرض هو وزوجته وأبناؤه الـ(خمسة)، وأنه لا يخلو بيت الآن من مصاب ومصابة بالمرض (انتهى).
(وقطعت جهيزة قول كل خطيب)، فهذا الحديث الخطير للمسؤول عن الصحة بتشريعي كسلا، يؤكد خطورة الوضع وكارثيته، ويفضح حديث الوالي للتلفزيون أمس الوالي وتضليله للرأي العام ونيته المبيتة بالسير في طريق الحكومة التي سردبت وكابرت ورفضت إعلان كسلا منطقة وبائيات وكوارث حتى لحظة كتابة هذه السطور.
السوشيال ميديا بات دورها أكبر وأجدى من إعلام النظام، ولعل الحركة الدؤوبة والسريعة والمناشدات عالية الصوت التي تظهر على مدار الساعة من مجموعات التواصل الاجتماعي ومن أفراد لا علاقة لهم بكسلا يؤكد حجم الوضع الكارثي الذي ترفض الحكومة
الاعتراف به لأسباب يعلمها النظام الذي يقف على رأس الحكومة ويعمل على توجيهها ذات اليمين وذات الشمال.
وزير الصحة الاتحادي محمد أبو زيد مصطفى القادم من أحد أحزاب أنصار السنة وشغل منصب وزير السياحة السابق، التزم الصمت هو الآخر رغم أدائه القسم، ولم نسمع له صوتاً كعادته التي لن يتخلى عنها مقابل بقائه على كرسي السلطة.
المواطنون بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم أثبتوا أن السودان (عايش بأبنائه) ولا دور للحكومة تلعبه سوى التزامها التام بتنفيذ أجندة للجهة صاحبة التعيين، والتزامها بأخذ مرتباتها ومخصصاتها على دائر المليم، وبعد ذلك فلتحرق روما، ولعل المبادرات التي قام بها عدد من الفنانين وبعض رموز المجتمع في هذا الخصوص لفتت الأنظار لحجم الكارثة التي تخاف حكومة كسلا إعلانها. المخجل والمخزي في الأمر أن لجنة الأمن بالولاية وبحضور الوالي حذرت من مغبة النشر السالب في الوسائط الإعلامية مع المطالبة بضرورة استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، وأن اللجنة ستقوم بتطبيق قانون المعلوماتية وقانون الطوارئ على كل من يتعمد النشر السالب في الموضوع.
عجيب ومثير أمر هؤلاء القوم، يتحدثون وكأنهم يعيشون خارج الزمن، فبينما يتداعى الكبار والصغار بمختلف سحناتهم وتوجهاتهم لدعم المتضررين ويطلقون حملات المناشدة لمواجهة الكارثة، ينشغل السيد الوالي وأجهزته بمواجهة الشعب السوداني وتهديده وإرهابه وهو الذي التقط القفاز وأعلن درء الكارثة من تلقاء نفسه، مقدماً نفسه وماله فداء لأهالي كسلا بعد أن استشعر (تخانة جلد مسؤولي الحكومة). ومعنى ذلك التهديد أننا سنشاهد غالبية الشعب السوداني داخل حراسات كسلا رداً على اتهام حكومة الولاية بالتقاعس وعدم القيام بدورها المطلوب رغم أدائها القسم.
المسؤولون الحالمون يطالبون باستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، وهم يعلمون تماماً أنهم لم يعودوا مصدر ثقة وأهلية لتحمل هذه المسؤولية، وبالتالي ليست هناك معلومات رسمية يمكن أن تكون مقنعة للرأي العام، وعليه فالأجدى والأكرم للسيد الوالي وحكومته وحكومة السودان بشكل عام، احترام المواطن الذي يعيشون على ما يدفعه من ضرائب
وجبايات من عرق جبينه ليظلوا هم في مواقعهم، بالاعتراف بخطورة الوضع وإعلان ولاية كسلا منطقة كوارث، عندها فقط يمكن أن يكونوا مسؤولين في كامل المسؤولية.