مقالات وآراء

عثمان ميرغني يكتب في انتظار زيارة القنصل..

تنشر “التيار” اليوم، تحقيقاً استقصائياً، كلّف زميلنا الصحفي النشط عبد الله الشريف عشرة أيام من العمل الميداني المُثابر المُرهق، منها ثلاث ليالٍ صعبة للغاية قضاها مُستلقياً على الأرض طوال الليل في الشارع العام، تعرّض فيها لأهوالٍ، حيث كان يُعاني من جَرحٍ عَميقٍ في قدمه قبل بداية التحقيق فوطأ على قدمه ليلاً وهو نائمٌ أحد المُنتظرين للتأشيرة مِمّا سبّب له آلاماً شديدة وسالت دماؤه، ورغم ذلك رفض الذهاب للمُستشفى حتى لا يَفقد فُرصة الزحف في الصف ليلاً للوصول إلى “شُبّاكَ” القنصلية.

وفي الصباح تعرّض للضرب مرّتين بالسياط على ظهره وساقه وتكبّد آلاما أخرى، لكنه تحمّلها بكل جسارةٍ من أجل إكمال التحقيق الصحفي المُدجّج بالصور الفوتوغرافية ثُمّ لتأكيد التوثيق رجع مرّةً أُخرى وصَوّر الوقائع والمشاهد بالفيديو.. علماً بأنّ زميلنا “ود الشريف” لم يكن ينوي السفر، كان فقط يسبر أغوار ما يحدث.

ندرك جَيِّداً كثرة المُتقدِّمين لنيل تأشيرة الدخول إلى مصر عبر قُنصليتها في الخرطوم.. وندرك أنّ مُعالجة التأشيرة لهذه الأعداد الكثيفة أمرٌ بالغ الصعوبة ويَحتاج من المَسؤولين في القنصلية جهداً كبيراً، لكن ذلك لا يتعارض مُطلقاً مع كرامة السُّوداني الذي يتقدّم بجوازه آملاً في الحُصُول على تأشيرة لزيارة وطنه الثاني مصر.. فمن المُمكن تنظيم الإجراءات بصورةٍ تحفظ لهؤلاء المُواطنين كرامتهم وتوفِّر عليهم كل هذا الرهق والإهانة التي يتطلبها المَبيت أرضاً في الشارع ولعدة أيامٍ على مرأى ومَسمع من الجميع.

غالبية السّفارات باتت تستخدم نظام التأشيرة الإلكترونية عبر الإنترنت لتجنُّب طالبيها إضاعة وقتهم في الصفوف، وتُحدِّد موعداً دقيقاً لكل طالب تأشيرة لتسليم جوازه وموعداً آخر لاستلامه.. وندرك أنّ مصر دولة كبيرة وراسخة في العلم والمُعاصرة ولا يعجزها أن تستخدم مثل هذا الأسلوب الراقي لتُوفِّر على المُواطنين وقارهم ولمُوظّفي القنصلية رهق التدافع أمامها.

ولكن لنفترض أنّ النظام الإلكتروني ليس مُتوفِّراً الآن، فهناك فكرةٌ سهلةٌ وبسيطةٌ للغاية تنهي تماماً مُعاناة طَالبي التأشيرة.. كراسة صغيرة تُسَجّل عليها أسماء المُتقدِّمين للتأشيرة وتحديد مواقيت حسب أسبقية التقديم لتكون الصفوف في الورق لا على الطبيعة.. لن يَتَكَبّد طالب التأشيرة سوى بضع دقائق لتسجيل اسمه في قوائم الانتظار، ثُمّ الذهاب والعودة في التاريخ المُحَدّد لتسليم جوازه، وموعداً ثالث لاستلام الجواز بعد اكتمال الإجراء.. سيُوفِّر ذلك الزمن والجُهد والمال وقبله الاحترام الواجب نحو شَعبٍ ظلّت مصر دائماً مُبتغاه الأول في السياحة والعلاج وطلب العلم.. بل وفي المَواسم مثل رمضان اعتاد السُّودانيون أن يَتَمَتّعُوا بها في رُبُوع الكنانة..

يَا سَعَادَة القُنصل العَام، أرْجُوك تَكبّد مَشَاق زيارةٍ ليليةٍ للشّوارع المُحيطَة بالقُنصلية وانظر بأُم عَينيك لتَرَى المَشْهَدَ المُؤلم المُحْزِن..!!

هَل يَستحق شَعبُنَا مِثلَ هَذِه الإهَانَة والمَأسَاة؟!

التيار

المصدر
التيار

اقرا ايضا

تعليق واحد

  1. لو تدخلت وزارة الخارجية وخاطبت السفارة المصرية ، ولو كان هناك وزارة داخلية وأجهزة أمنية ترفض هذه الإهانة لتحركت الدولة عبر وزارة خارجيتها وتخاطبت إما مع السفارة أو مع الخارجية المصرية.
    كل العالم الإجراءات تتم إما عن طريق المواقع الإلكترونية أو مع وكيل خارجي تتعاقد معه السفارات لإستلام الطلبات وتسليمها . ولكن على فرض أننا لم نصل لهذه المرحلة من التنظيم والمعرفة الإلكترونية فعلى الأقل كما ذكر الكاتب أن يتم ذلك بالتسجيل وتحديد المواعيد وليس بهذه الطريقة المهينة.
    شعب أصبح يتسول الدخول للدول الأخرى هربا من جحيم داخلي
    بلد يصطف فيها الناس للخبز والوقود
    بلد يعجز معظم شبعها من الحصول على العلاج مع تدهور الخدمات الصحية يوم بعد يوم
    بلد يتدهور فيها التعليم بصورة مريعة
    بلد بلا خدمات ولا تنمية ولا بنية أساسية

    بلد الصرف فيها على الحكومة ودستوريها وموظفيها وقوات أمنها 75% من دخلها القومي
    بلد أكل الفساد جسدها المنهك وأصبح ثقافة عامة تتبارى فيه المجموعات التي تسمها نفسها حركة إسلامية وتتباهى بقدرتها على الثراء من المال العام
    بلد أصبحت خارج الفورمة العالمية نهائيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى