محليمقالات وآراء

بكري الصائغ : أول مرة في تاريخ السودان.. اختفاء وزارة بكاملها كان اسمها.. وزارة الداخلية!!

بكري الصائغ – [email protected]
العنوان أعلاه ليس بالاستفزازي، ولا الغرض منه تحقير وزارة الداخلية التي انشأت قبل الاستقلال بسنوات طويلة – وتحديدا في عام ١٩٠٢ في زمن الجنرال السير/ “فرانسيس ريجنالد وينجت”، الذي حكم السودان خلال الفترة من عام ١٨٩٩ حتي عام ١٩١٦، ويعود له الفضل في إنشاء مشاريع عمرانية كثيرة ما زالت باقية حتي اليوم مثل: مبنى وزارة المالية بالخرطوم، وزارة الداخلية، وزارة الزراعة، مبني مصلحة البريد والبرق، معمل استاك، واغلب المباني القديمة القديمة الموجودة في شارع النيل كان هو من وجه بإنشائها وجلب لها مهندسين معماريين وعمال مصريين.
بعد الاستقلال تم “سودنة” كل المؤسسات الرسمية وتم إطلاق اسم وزارة الداخلية على المبنى القديم، أول مدير عام للشرطة، كان اللواء/ أمين أحمد حسين، الذي شغل هذا المنصب من يوم ٢٤/ ديسمبر ١٩٥٤ حتي ١٠/ يوليو ١٩٥٧، جاء بعده اللواء/ بابكر الديب، الذي شغل المنصب من يوم ٢٠/ يوليو ١٩٥٧ حتي ٢٣/ أغسطس ١٩٥٨.
اخر مدير شرطة في وزارة الداخلية، كان الفريق شرطة/ عنان حامد، صاحب الحادثة الشهيرة التي عرضته للسخرية اللاذعة والشماتة الجماهيرية الواسعة، وذلك عندما اختفى اختفاء مريب مع بداية المعارك في الخرطوم يوم السبت ١٥/ أبريل الماضي ولم يحضر مكتبه لمباشرة الاعباء الجديدة التي جاءت تبعا للاحداث، واغلق هاتفه مما حدا بالمسؤولين في الوزارة تبحث عنه ولكن لما أعيتهم وغدت ادارة الشرطة بلا رئيس مسؤول، اضطر البرهان الي اعفاءه وتعيين مدير جديد هو الفريق شرطة حقوقي/ خالد حسان محي الدين بدلاً عنه.
في أول تعليق من وزير الداخلية الفريق أول شرطة حقوقي/ عنان حامد عقب اقالته، قال:الاخوة الكرام بأمر الله عز وجل اعلنت اليوم صفارة نهاية خدمتي في الشرطة ورضاء تام بما قدر الله بعد مسيرة بدأت من ١٩٨٤/٤/١٤- ٢٠٢٣/٥/١٥والخير فيما اختار الله،مع امنياتنا للشرطة والوطن بكل خير، وربنا يوفقكم اخي الفريق خالد حسان لقيادة الشرطة ومواصلة المشوار”.-انتهى-
تعود سبب سخرية الناس منه وشماتة شديدة علي اقالته، انه في زمن حكمه رئاسة ادارة الشرطة خلال فترة عمله السابق، شهدت البلاد كثير من الاغتيالات المتعمدة التي لقي فيها نحو (١٢٩) شهيد مصرعهم برصاص رجال الشرطة والامن لا لشيء الا لانهم خرجوا في مظاهرات سلمية طالبوا فيها باقامة دولة مدنية وعودة العسكر للثكنات.. وكانت منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر، قد طالبت في مرات عديدة بإقالة مدير عام الشرطة الفريق عنان حامد، والنائب العام، خليفة أحمد خليفة، لتورط الشرطة في قتل الشهداء، وتقاعس النيابة عن القيام بواجبها في محاسبة القتلة.
من منا لا يعرف، ان ادارة الشرطة خلال العامين الماضيين كانت قاسية للحد البعيد مع النشطاء السياسيين، استعملت ضدهم كل انواع القوة والقسوة المبالغ فيها، كل هذا تم تحت سمع ونظر مدير الشرطة عنان، الذي اختفي عندما زلزلت الأرض زلزالها، وهجمت جحافل قوات “الدعم السريع” على وزارة الداخلية التي كان وقت الهجوم عليها خالية من كبار وصغار الضباط ورجال الشرطة والموظفين والعمال، قاموا “جنجويد” حميدتي بتخريب كل شيء وقع تحت ايديهم من اثاثات ومكاتب وملفات وماكينات طباعة وأجهزة كمبيوتر وتلفونات، و استولوا على عربات الشرطة والعربات الخاصة التي كانت وقتها موجودة في الوزارة… وبعد انهوا الوزارة نهاية مرة، قصدوا سجن الهدي التابع لوزارة الداخلية وأطلقوا سراح جميع السجناء وأخذوا بعض الضباط رهائن واقتلوهم الى مكان مجهول لا احد يعرف مصيرهم حتي اليوم!!
٣-
السؤال الذي تم طرحه بشدة في كل مكان بعد فرار كل العاملين فى وزارة الداخلية -وتحديدا هروب الضباط ورجال الشرطة العاملين في ادارة الشرطة-، كان حول “هل أخطأت الشرطة بالهروب والانزواء بعيدا عن ما يجري حولهم من دمار وتخريب؟!!”. انقسمت الآراء حول هذا الاختفاء والهروب، وظهرت الآراء التالية:
(أ)- فئة من المواطنين اعطوا العذر ضباط ورجال الشرطة، وأنه ما كان في مقدورهم الوقوف في وجه قوات “الدعم السريع” التي هاجمت الوزارة بكثافة وعتاد ثقيل، هذا الي جانب عامل المفاجأة والهجوم الذي اصلا ما كان متوقع ان يحدث.
(ب)- فئة ثانية من المواطنين، هاجمت ضباط ورجال الشرطة الذين فروا مذعورين، وقالوا، انه كان الواجب عليهم ان يصمدوا ويقاتلون الي اخر رمق فيهم، فهذا جزء من طبيعة عملهم الذي اعتادوا وتدربوا عليه، واليوم بعد فرارهم ماذا جنوا غير الفضيحة والسخرية؟!!
(ج)- الفئة الثالثة من المواطنين، قالوا، “ان الله يمهل ولا يهمل، واستجاب دعاء الامهات الاتي فقدن اولادهم الذين ماتوا غدرا برصاص الشرطة والامن، فرار وهروب ضباط ورجال الشرطة اثلج قلوبنا، وقمة الفضيحة ان فرارهم تم من قبل رفقاء نفس السلاح”.
(د)- الفئة الرابعة من المواطنين علقوا علي هروب الجميع من وزارة الداخلية، إنه كان أمر طبيعي لا غضاضة فيه، وما كان في ايديهم شيء يفعلونه لتدارك الحال المزري، بل حتي القوات المسلحة نفسها تعرضت لهجوم.
(هـ)- اما المجموعة الأخيرة فقد علقت في احباط شديد، ان كل المؤسسات العسكرية سقطت سقوط مريع ومخجل في امتحان ١٥/ ابريل، وكشفت المعارك هشاشة هذه المؤسسات العسكرية التي كانت تستحوذ كل عام علي (٦٠)% من الميزانية المستقطعة من جيوب المواطنين!!، هذه المعارك كشفت بجلاء واضح ان الـ(١٠٠) الف جندي في القوات المسلحة غير مؤهلين لخوض حروب ومعارك والدليل على ذلك فشلهم في القضاء على مرتزقة الدعم السريع.
هل يا تري بعد عودة الأمن والأمان وانتهاء المعارك وعودة الحياة لطبيعتها، ستعود وزارة الداخلية بنفس شكلها القديم و بسياساتها المخجلة … ام ستحاول اصلاح ما افسده البشير والبرهان وجنرالات مجلس السيادة، واعادة هيكلتها بصورة أكثر تمدن وانسانية في تعاملها مع الشعب، و تساير روح العصر ونبذ القسوة والاغتيالات؟!!
واخيرا، عودة الي عنوان المقال اعلاه “أول مرة في تاريخ السودان: اختفاء وزارة بكاملها كان اسمها..وزارة الداخلية!!”، وهو عنوان يذكرنا بقول الشاعر: ” قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل * بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول وحَوْملِ”… في رواية اخرى “اذكروا محاسن موتاكم”.

اقرا ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى