
عثمان ميرغني يكتب استدعاء وزير.. بصفة عاجلة
شاهدت فيلماً قصيراً لبرنامج تلفزيوني لأحد وسائط الإعلام الغربية.. يصور زيارة لمدة 48 ساعة فقط للسودان.. مقدم ومقدمة البرنامج تجولا في قبة الإمام المهدي ثم بيت الخليفة وسوق أمدرمان ثم الضريح في حمد النيل وبعدها غادرا إلى جبل البركل، وخلال اللقطات السريعة كانا يُكرِّران إعجابهما بروح الصداقة والبشاشة التي يبديها الشعب السوداني لأيِّ زائرٍ غريبٍ.. ولكن أكثر ما أثارني آخر تعليق..
في نهاية البرنامج قالت المذيعة إنها اكتشفت أنّ السودان بلدٌ مُوغلٌ في الحضارة.. ثمّ ختمت (تصوّروا إن كان بوسعنا أن نستمتع بعطلة نهاية الأسبوع لمدة 48 ساعة فقط في السودان بهذا القدر.. فكيف إن زرت السودان في عطلة كاملة؟).
ولو كنت في مكان رئيس الوزراء الجديد السيد معتز موسى لاستدعيت فوراً وزير السياحة وطلبت منه أن يجيب على سؤال مُقدِّمة البرنامج.. (كيف إن زرت السودان في عُطلةٍ كاملةٍ)؟..
والإجابة المطلوبة من وزير السياحة تصبح خُطة وبرنامج عمل تجيب على أسئلة حتمية.. كيف يعلم السائح بأنّ في السودان ما يستحق أن يُزار؟ وكيف يُخطِّط لزيارة السودان؟ وكيف يصل السائح إلى السودان؟ ثم؛ وهو الأهم.. إذا وصل السائح مطار الخرطوم، كيف يصل إلى المواقع الأثرية؟
قبل حوالي عام، لفت نظري مقالٌ مُثيرٌ للدهشة في الموقع الإلكتروني لفضائية سي ان ان CNN الأمريكية، يحكي عن تجربة سائح أمريكي زار السودان.. ولإعجابي بالمقال ترجمناه ونشرناه في “التيار”.. أكثر ما لفت نظري في المقال أنّ الأمريكي لم يكن يقصد زيارة السودان، فهو كان في زيارة إلى إمارة دبي واكتشف أنّ سعر التذكرة ذهاباً وإياباً إلى الخرطوم لا يكلف سوى 250 دولاراً.. وهو مبلغٌ زهيدٌ في رأيه فقرّر أن يزور الخرطوم.. وفعلاً بسهولة وصل إلى الخرطوم وأقام في واحدٍ من أفخر فنادقها.. ومن هنا بدأت الإثارة الحقيقية.. اتضح أنّ الوصول من أيِّ مكان في العالم إلى الخرطوم، كوم، وكوم آخر أن يصل إلى المواقع الأثرية.. حتى القريبة من الخرطوم مثل المصورات والبجراوية بولاية نهر النيل.. كتب السائح الأمريكي يُقارن مع مصر، حيث تتوفّر الحافلات المريحة والشركات المُستعدة دائماً للوصول إلى أيِّ موقع أثري.. المهم في نهاية المقال كتب السائح الأمريكي (أشك أن هذا البلد سمع بكلمة “سياحة”)..
بحسابٍ بسيطٍ؛ يستطيع السودان وبمجهود سهلٍ وقليلٍ أن يحصد ما لا يقل عن عشرة مليارات من السياحة مبدئياً (قولة خير).. تعادل أكثر من حاجتنا للعُملة الصعبة لمُواجهة كل الاستيراد من الخارج.. وأقول بمجهودٍ سهلٍ لأنّ البداية لا تحتاج إلى أكثر من مد خُطُوط السياحة في الإقليم حولنا.. فالدول المُحيطة بِنَا مثل مصر وإثيوبيا وكينيا راسخة في السياحة، يرتادها ملايين السياح سنوياً برحلات تُنظِّمها شركات ذات خبرات وقدرات هائلة.. الخطوة الأولى هي تحفيز هذه الشركات لتمديد رحلاتها إلى السودان.. تصوّر أن يجد سائح يزور مصر أنه لا يحتاج لأكثر من 100 دولار ليشمل السودان في برنامجه..
من هنا نبدأ رحلة رفع عائد السياحة ليقفز ربما لأكثر من ثلاثين مليار دولار خلال سنواتٍ قليلةٍ.