مقالات وآراء

زهير السراج يكتب والله،لأحزمنكم حزم السلَّمة !!

الكاتب زهير السراج

* هل احترام الوقت يعنى ان يمهل رئيس الحكومة أعضاء حكومته مدة (24 ساعة) لتقديم خططهم .. أم أنها نسخة (الصدمة) الخاصة بالوزراء بعد النسخة التى إختص بها الشعب ؟!

* يبدو أننا بصدد حكومة أكثر مهزلة من أية حكومة أخرى سبقتها، فرئيس الوزراء الجديد بدأ حقبته بتوجيه خطاب الى الشعب من المسجد، معتقدا أنه الوالى الذى بعثه أمير المؤمنين إلينا ليؤدبنا، فبدأ خطابه بـ(الصدمة) على طريقة (الحجاج بن يوسف) فى خطبته الشهيرة لأهل العراق:

“أما والله فإني لأحمل الشر بثقله وأحذوه بنعله و أجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى. والله يا أهل العراق، إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً، وأشدها مسكا، فوجهني إليكم، ورماكم بي. يا أهل العراق، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال، وسننتم سنن الغي، وأيم الله لألحونكم لحو العود، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلّمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل” .. أوليست هذه هى (الصدمة) عينها، التى بشرنا بها والى امير المؤمنين (المعتز بالله)، أطال الله بقاءهما؟!

* لا أدرى كيف يفكر هؤلاء القوم، رغم كمية الدرجات فوق الجامعية التى تلتصق بأسمائهم، وإقامة بعضهم سنوات طويلة فى بلدان متقدمة تعرف قيمة الوقت وتحترمه وتوظفه بشكل مثالى فى تحقيق التقدم والرفاهية، إلا أنهم لم يستفيدوا من ذلك !!

* إحترام الوقت لا يعنى السرعة والتسرع، وإنما دقة التخطيط والتنظيم والإلتزام بالوقت المحدد، مما يقود الى الانتفاع بأعلى درجة من الوقت المتاح .. وسأعطى هنا مثلا بسيطا جدا، يوضح ما أرمى إليه ..

* هب أنك (فريق كرة قدم) .. لم يبق أمامه من الوقت سوى بضع دقائق ليعادل النتيجة أمام الفريق الذى يلعب أمامه ويتقدم عليه بهدف، فما هو الأفيد والأنسب لتحقيق هذا الهدف .. تمرير الكرة بسرعة وعدم دقة فى اتجاه مرمى الخصم فترتد إليك كل مرة بدون ولوج الهدف، كما نرى فى ملاعبنا المحلية، أم الإحتفاظ بالكرة والبحث عن ثغرة لتحقيق الهدف كما نرى فى المباريات العالمية .. إن ما يحدث عندنا هو إهدار للوقت، ليس إلا، وهو عكس ما يحدث فى الملاعب الدولية ؟!

* نفس الشئ يحدث فى الميادين الأخرى .. تخطيط سياسة، إقتصاد، تعليم، علاج .. القضية هى كيف تستفيد من الوقت المتاح لك، وليس طوله أو قصره .. أو استعجال التنفيذ !!

* نأخذ العلاج (مثلا) .. لتحقيق منفعة المريض، والمنفعة العامة فى نفس الوقت .. أى حصول المريض على الخدمة الطبية بشكل مناسب، والاستفادة من الإمكانيات المتاحة والوقت المتاح للعلاج الآخرين، يكون التعامل كالآتى:

* المريض الذى يشعر بمرض طارئ يتوجه الى قسم الطوارئ فى المستشفى .. وعندما يصل يعاينه طبيب أو ممرض طوارئ، ويحدد أسبقية حصوله على العلاج ،وبناءً على ذلك يأخذ دوره فى الصف.

* المريض الذى يشعر أنه بحاجة الى رؤية طبيب لوجود بعض الأعراض (غير الطارئة) .. يستطيع أن يذهب الى المركز الصحى بدون موعد سابق، وينتظر دوره لمقابلة الطبيب الذى يعطيه العلاج أو يحيله الى إختصاصى .. أو ينصحه بالذهاب الى قسم الطوارئ فى المستشفى (حسب حالته).

* كما يمكن للمريض، أن يأخذ موعدا لرؤية الطبيب العام، أو طبيب الأسرة الذى يأخذ القرار بشأن حالته.

* مقابلة الاختصاصى يجب أن يسبقها موعد، وأن يتم فى المرة الأولى عبر الطبيب العام (طبيب الأسرة) أو طبيب المركز، فهو الذى يحدد إذا كانت الحالة فى حاجة الى رؤية إختصاصى أم لا، وليس المريض، ولكن من حق المريض أن يبلغ طبيبه أو الطبيب العام بحاجته الى رؤية طبيب إختصاصى !!

* هذا هو النظام العلاجى المتبع فى غالبية الدول المتقدمة، الذى يحقق الهدف المطلوب، وهو منفعة المريض والإستفادة من الوقت المتاح لتحقيق أقصى منفعة ممكنة للآخرين .. وهو نظام مؤسسى كغيره من الأنظمة الأخرى .. لا يمكن لفرد واحد أن يعدله أو يغيره !!

* كذلك لا تستطيع الحكومة (مثلا) أن تفرض على الناس قانونا معينا فى الظروف العادية بدون أن يأخذ دورته الطبيعية فى الأجهزة المختصة بجدول زمنى معين، يتيح النظر الى القانون من كافة الجوانب وتأثيراته الإيجابية والسلبية والموازنة بينهما، قبل إتخاذ القرار المناسب بشأنه .. ورغم ما قد يبدو للبعض من بطء فى هذا النظام إلا انه عكس ذلك تماما، فإن التسرع بسن قانون قد تكون له نتائج وخيمة جدا، واهدار وقت طويل لمعالجتها ..!!

* المسألة ليست (عواسة كسرة) .. ليمهل رئيس الحكومة أعضاء حكومته 24 ساعة فقط لتقديم خططهم ومشروعاتهم، حتى يستطيع تحقيق أكبر قدر من المنجزات فى الوقت المتاح أمامه ( 400 يوم)، ولكن الاستفادة من هذا الوقت لتحقيق ولو إنجاز واحد (بشكل جيد) .. بدلا عن التسرع واهدار الوقت المتاح فى مطاردة معجزات لن تتحقق .. وإذا كانت (الكِسرة) نفسها تحتاج الى وقت للتخمير والعواسة، فما بالك ببلد تم تدميره بالكامل !!
الجريدة

بواسطة
الكاتب زهير السراج
المصدر
الجريدة

اقرا ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى