مقالات وآراء

هنادي الصديق تكتب عن الغيبوبة

الكاتبة هنادي الصديق

بذكاء شديد وهدوء أشد، تعامل النظام الحاكم مع قضايا الساعة التي شغلت الرأي العام وضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي، وأعني قضية تعديل الدستور تحديداً، فالنظام استطاع أن يُنسي الشارع السوداني هذا الأمر وغيره من قضايا مصيرية بشغله بما تُسمى التعديلات الوزارية والحكومة الرشيقة، وحكومة الصدمة، وتمادى في ذلك الاتجاه بإعلان أسماء شخصيات لتولي حقائب وزارية دون استشارتها أو أخذ موافقتها، لتشتعل الوسائط والسوشيال ميديا مجدداً وبعنف هذه المرة ما بين مصدق ومكذّب، وما بين مجتهد ومتبرع بالاجتهاد، حمدوك قبل، حمدوك رفض، حمدوك وصل، حمدوك رجع، حمدوك وما أدراك ما حمدوك الكفاءة السودانية التي تمَ الاستغناء عنها مع مجئ الإنقاذ تحت مسمى الصالح، وبعد ثلاثين عاماً وبعد أن (لبَنت عايزين يدوها الطير)، لتظل الحقيقة الوحيدة وهي انشغال الشعب السوداني داخل وخارج السودان بمسلسل الاعتذارات للمسؤولين عن تكليفات حكومة الوفاق الوطني التي لن تقدم أو تؤخر في الواقع شيئاً. واستجابته لمخططات الوطني وتناسى المشاكل التي تحاصر البلاد من جميع الاتجاهات، لنتأكد أننا شعب انصرافي بالمقام الأول، ننشغل بسفاسف الأمور ولا نكترث في كثير من الأحيان بالأولويات.

ورغم ذلك نتحسر ونتباكى ونكرر السؤال الممجوج: (إلى متى تظل الإنقاذ كاتمة على نفسنا؟). وبدلا عن انشغالنا بقبول أو رفض حمدوك كان الأولى لنا طرح السؤال المهم: (هل يملك حمدوك العصا السحرية، ليتمكن بمفرده أو في ظل وجود هذه الحكومة المكررة والمعادة من إصلاح اقتصاد متدهور بسبب اعتداءات القطط السمان على المال العام، وفي ظل احتكار السلطة لأصحاب العقول الصغيرة والإمكانات المعرفية المتواضعة)؟ بالتأكيد لا لأن المتابع الجيد والقارئ الحصيف للأمور يعلم أن مشكلة السودان سياسية، وتحتاج للعقلية المتفتحة، فالسودان غني بموارده التي تحتاج العقول الكبيرة والإرادة القوية والأيدي النزيهة التي تتعفف أمام المال العام.

ووسط كل ذلك ضاعت الكثير من القضايا المهمة، قضايا عرضت حياة عدد من المواطنين للموت كما حدث في حادثة مقتل الشاب سامر الجعلي بشارع النيل بأم درمان على يد رجل شرطة قبل شهر ونصف الشهر، وتكرار ذات الأمر أمس الأول بقتل الشاب حسام بالخرطوم ـ جبرة على يد رجل شرطة أيضاً، والذي لم تجد قضيته الاهتمام المطلوب بسبب انشغال المواطنين بقضية حمدوك.

ومؤكد ستنتهي القضية كما انتهت سابقاتها ولن تجد المتابعة من المسؤولين ولا الإعلام، وسيبقى الألم داخل الأسرة المكلومة فقط. وسيتكرر المشهد وستتكاثر المشاهد. ضياع مثل هذه القضايا في وسط المعمعة يجعلها وكأنها خطة موضوعة بدقة وعناية من قبل النظام وسيستمر فيها ولن يتوقف بسبب غفلة المواطن عن حقوقه، وعدم صحوته من الغيبوبة التي وجد نفسه فيها، والاتكالية المبالغ فيها وانتظار أن يأتيه الفرج من غيره، ولن يتغير الحال ما لم تتغير نظرة الشعب لأزمة الوطن، وما لم تتفتح عقليته لما يحيط به من مخاطر.

وما لم يقف المواطن بقوة أمام هجمات الوطني المستمرة، وشغله بنظرية الإلهاء، مهما كان على الشعب السوداني أن يدرك مثل هذه النظريات السياسية المجربة والحكومة منذ يومها الأول وقبل أداء وزرائها القسم بانت ملامحها، والكرة الآن في ملعب الشعب وعليه أن يصحو من (الغيبوبة).

 

الجريدة

بواسطة
الكاتبة هنادي الصديق
المصدر
الجريدة

اقرا ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى