مقالات وآراء

اسماء جمعة تكتب : ظاهرة الاعتداء على الاطباء

الاعتداء على الاطباء من قبل المواطنين تكرر كثير لدرجة انه سمى ظاهرة، وياما فردت له مساحات في الصحف ووسائل الاعلام والتواصل تناولته من شتى الجوانب واقترحت الحلول ،ورغم هذا لم تجد الدولة حلا وما زال الأمر يتكرر ،يوم الثلاثاء الماضي اعتدت كتيبة من المواطنين على المدير الطبي لمستشفى أم درمان وزملائه من الأطباء وطاقم التمرض .
تفاصيل الحادثه تقول ان مُصاب جيء به إلى المستشفى وهو ينزف نتيجة طعنه بآلة حادة عدة طعنات مع أذان الإفطار، قام الطاقم الطبي بمحاولة إسعافه بقدر الإمكان في غياب مرافقيه، إلا أنه فارق الحياة نتيجة إحضاره من منطقة بعيدة ونزفه لفترة طويلة، لاصابته في شريان رئيسي، عند حضور أهله والذين يقدروا بأكثر من 30 شخصاً وعلمهم بوفاته هاجموا حرس المستشفى و المدير الطبي وزملائه والممرضين بالحجارة والطوب وكأنهم من قتلوه ، علما بان المصاب قد أحضره شخص صادفه ملقياً بالشارع، دون أن يعلم الأطباء ملابسات ما حدث له.
لا شك ان السلوك مشين و في منتهي التخلف ومدان ولا يليق بالمواطن ولا يستحقه الاطباء، ولكن السؤال لماذا يلجأ المواطن الى هذا السلوك ؟مع ان علاقة المواطن بالطبيب تاريخيا مبنية على الحب والتقدير ،وكان الطبيب مثار اعجاب كل المواطنين وكل يتمنى ان يصبح ابنه طبيبا فرسم الطبيب صورة زاهية لمهنة الطب لم تحظى بها المهن الاخرى ، وياما تغنى الناس لطب والطبيب. اذا ما الذي تغير، أنها تركة النظام المخلوع .
هذا السلوك المتوحش ظهر في سنوات النظام المخلوع المشؤمة ،التى انحط فيها قدر الإنسان وظهرت الكثير من الظواهر التى لم تكن موجودة، مثل الاعتداء على الاطباء والمعلمين وغيرها، والأمر مرتبط بثقافة العنف التي نشرها عمدا في المجتمع بسبب سياسات التي افقرت الشعب وجهلته وغيبت عقله، فأصبح متهور ومندفع لا يجيد التصرف بعقلانية ،أما السبب الأهم فهو انهيار النظام الصحي الذي خلف احساس عام بأن المواطن يتعرض للاهمال في المستشفيات، والحق يقال هو احساس له ما يسنده و يبرره.
سبب آخر مهم جدا هو، يعتقد البعض أن المريض مادام وصل إلى المستشفى وأصبح بين يدي الأطباء لا يجب أن يموت،ولذلك ياتون ولديهم حكم مسبق بأن الأطباء بمقدورهم انقاذ المريض الا اذا ابوا،وحين يتوفى ينتقمون من الطاقم الطبي المسكين الذي يكون قد بذل قصارى جهده .
عموما الحل العلمي طبعا لا يأتي إلا بإزالة الأسباب كلها عن طريق تغيير عقلية المواطن وعلى أثرها ستتغير المفاهيم المغلوطة و هذا يحتاج زمن طويل، ثانيا تحسين النظام الصحي وتطوير أداء المستشفيات والأطباء بما يجعل المواطن يطمئن حين يموت له مريض أن الأطباء يفعلون استطاعتهم ولا يمكنهم الاحتفاظ بشخص ناداه ربه.
و إلى حين أن يتحقق هذا لابد من قانون يعاقب أي مواطن يعتدى على طبيب بالسجن والغرامة فلا يوجد حل الآن الا بردع المواطن بالقانون ،ومن لديه تظلم فليأخذ حقه بالقانون وليس ، وبصفة عامة ظاهرة الاعتداء على الاطباء هي تركة من تركات النظام المخلوع التي تثقل كاهل البلد بسبب السياسات المدمرة التي فرضها على المجتمع ، ويبقى الخلاص منها مرهون بالتنمية الشاملة .

التيار

اقرا ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى