مقالات وآراء

أسماء محمد جمعة تكتب صناعة العطالة

وزرة العمل والإصلاح الإداري وتنمية الموارد البشرية في بيانها أمام مجلس الولايات أول أمس كشفت عن ارتفاع العطالة وسط خريجي الجامعات إلى ما يقارب الــ40% وانخفاضها بين حملة الشهادة السودانية إلى 25% وبين حملة الشهادات المهنية إلى 17%، وقالت إنها بصدد تحديث معلومات سوق العمل، وزير الدولة بوزارة العمل خالد حسن قال إن ارتفاع العطالة بين حملة الشهادات الجامعية يعني عدم الاستفادة الفعلية من مقدرات الخريجين وانخفاضها بين حملة الشهادات المهنية يتطلب التوسع في التعليم المهني، وفي الحقيقة العطالة بجميع مستوياتها صنعتها مع سبق الإصرار.
أزمة عطالة الخريجين بدأت تزداد بعد التسعينات بسبب ثورة التعليم العالي والتغييرات السلبية التي حدثت للتعليم عموماً، فقبل ذلك كانت المدارس والمعاهد المهنية تخرج أفضل الكوادر، وثورة التعليم حين تم إعلانها كان همها عدد الجامعات فقط ولم تلتفت إلى أي شيء آخر لا جودة تعليم ولا توفير كوادر مؤهلة، بدليل إنها فتحت عدداً كبيراً من الكليات النظرية والعلمية غير المطلوبة وظلت تستوعب عدداً مهولاً من الطلاب وتخرجهم إلى الشارع، هذا غير أن التعليم عموماً لا يملك الطلاب مهارات التفكير الإيجابي ليخلقوا لأنفسهم فرص عمل من العدم ولا يُفهِمهم أن الهدف من الجامعة ليس العمل فقط، كذلك أهملت الحكومة التعليم المهني لدرجة أثرت في اتجاهات المواطنين ونظرتهم إليه رغم سمعته القديمة ورغم إنه ما زال يثبت تفوقه في مجال العمل. هناك قصة يحكيها الناس تؤكد ما ذكرته وزارة العمل، تقول إن هناك أربعة أصدقاء دخل الثلاثة الجامعة أما الرابع فلأنه لم يحرز شهادة تؤهله لدخول الجامعة لم يعِد الكرة، بل اشترى له والده ركشة وبدأ يعمل فيها بعد أربع سنوات تمكن من امتلاك ركشتين إضافة للقديمة ثم امتلك عربة حينها تخرج أصدقاؤه، وظلوا لمدة عام يبحثون عن عمل دون جدوى، فقام الصديق (الما خريج) بتشغيل أصدقائه الثلاثة الخريجين في ركاشته أما هو فحول عربته إلى ترحال وأصبح هو كابتنها، ورغم إنها قصة من وحي الخيال إلا إنها تعبر عن واقع حقيقي يحدث وإن كان بشكل مختلف.
وزارة العمل والموارد البشرية وحدها لن تسطيع فعل شيء مالم تتناغم السياسات الاقتصادية مع بقية المجالات ويراعي كل مجال ارتباطه بالآخر، فالموارد البشرية يتم استغلالها بناء على استغلال القطاعات المختلفة لمواردها، ومهما حاولت الحكومة إيجاد حلول لها لن تفلح ما لم تعالج عطالة نفسها، فالآن هي تستوعب عدداً كبيراً من الخريجين في كثير من المؤسسات ولكنها لا تقدم لهم شيئاً غير أجر غير مجزٍ، أما هم فيتعرضون للتدمير الذاتي أو الإفساد، وهذه مشكلة أخرى.
أعتقد أن نسبة العطالة بين الخريجين أعلى بكثير من النسبة التي ذكرتها وزارة العمل، فالجامعات تخرِّج سنوياً عشرات الآلاف وأغلبهم لا يتوظفون، ولذلك السودان بحاجة إلى سوق العمل قبل توفير المعلومات لسوق العمل، ويجب أن تعيد وزارة التعليم العالي النظر في جامعاتها، وأن تعيد وزارة التربية والتعليم النظر في التعليم العام، وأن تفكر الدولة جدياً في التوسع في التعليم المهني والفني، والمصيبة الحقيقية تكمن الحكومة التي تصنع العطالة.

التيار

المصدر
التيار

اقرا ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى