مقالات وآراء

محمد وداعة يكتب: قوى الحرية و التغيير .. تصحيح المسار من الهمس الى الجهر

بديهي، لا يمكن اعادة كتابة التاريخ، و لا يمكن اعادة صياغة وقائعه وفقاً لما نريد، او نشتهي، و بالطبع لا يمكن مغالطة الحقائق و الظروف التي انتجت ثورة هجين بمكون عسكري و آخر مدني، شهدت في البداية صراعات متبادلة ادت الى ضياع فرصة عظيمة لانتهاج منهج ثوري كان كفيلاً بحل تعقيدات و مشاكل لا تزال تكتنف المشهد السياسي، و ربما اصبحت من المهددات.
و لا شك ان قوى الحرية و التغيير تتحمل قسطها من المسؤولية في التراخي و التلكؤ في اتخاذ قرارات كان من شأنها ادامة الزخم الثوري، بابراز قضايا ملحة و حشد الرأي العام حولها، الا ان حالة الانطلاق هذه تتعثر و تتأخر، مما شجع قوى الثورة المضادة على الاستخفاف بالثورة و حصر اسبابها في تدهور الاحوال الاقتصادية، و محاولة الاستثمار في استمرار الاختناقات الاقتصادية باعتبارها محفزاً للانقضاض على الثورة و الحكومة الانتقالية.
تمضي الايام و الاسابيع و هياكل السلطة الانتقالية خاوية في الولايات و المجلس التشريعي تحت طائلة الوعد بالسلام اغراءً لطرف في الحكومة يمثله المكون العسكري و تهديداً للحكومة الانتقالية، مما زاد من الهواجس و فقدان الثقة بين اطراف العملية السياسية.
حتى الآن الحكومة الانتقالية تشغل جزءاً من سلطة المستوى الاتحادي، و لا ولاية لها على الامن و الشرطة و الجيش الا من خلال مجلس الامن و الدفاع الذي لم ينعقد وفقاً لهيكله لمرة واحدة، و لم يتم تنفيذ الوثيقة الدستورية فيما يتعلق بجهاز الامن الداخلي وتبعيته لرئيس الوزراء، فضلاً عن الفراغ التشريعي في المركز و الولايات .. و حكام الولايات، لدرجة ان بعض الخبراء يقدرون سلطة الحكومة الانتقالية باقل من (20%) من السلطة الفعلية في ادارة الدولة، و بافتراض غير صحيح ان هياكل السلطة الاتحادية موالية للحكومة، وهذا وضع مخيف !
قوى الحرية و التغيير غارقة في شبر موية، و انشغلت بامور سطحية و لم تلج اي محاولة للاجابة و الاستجابة لمطالب الثورة، فلم تمل تكوين اللجان و عقد ورش عمل احادية الرؤى، مع فشل الهياكل القائمة، و ظهور بوادر لهياكل خفية تطبخ فيها القرارات، مع غياب تحديد المسؤوليات وازدواجية في الصلاحيات وبطء إتخاذ القرارات.
وبالتالي عدم القدرة في التعبير عن أهداف الثورة وتحقيق تطلعات الشعب السوداني، فتم تجاوز الهياكل التي تم التوافق عليها على علاتها وعدم الالتزام باللوائح المنظمة والإجراءات الكفيلة بانجاز المهام، و تحولت الواجبات الرئيسية لقوى الحرية و التغيير من حاضنة سياسية الى الانشغال في متابعة تفاصيل العمل اليومي التنفيذي وإهمال الجوانب السياسية و الفكرية والعلاقات الخارجية والأمن الداخلي وتحقيق السلام، هذا كله ادى الى خفض الطوحات في الوصول لتوافق مع الجبهة الثورية في قضايا اساسية أهمها موضوع السلام وهيكلة السلطة الانتقالية.
مع عدم وضوح العلاقة مع الجهاز التنفيذي فضلاً عن تعثر تنفيذ البرنامج الإسعافي الذي اصبح حبراً على ورق نتيجة لعدم التفكير او السعي لتوفير الموارد المادية و البشرية لتنفيذه، بعد مضي اكثر من نصف المدة المحددة له، و على الاقل فان إستمرار الأوضاع الاقتصادية على حالها إن لم يكن قد تدهورت مع عدم وجود اي رؤية واقعية لتخفيف الأعباء المعيشية وتأخر عقد المؤتمر الاقتصادي و لا خبر عن الاعداد له .. وسط تخبط في التصريحات حول رفع الدعم، او مضاعفة المرتبات، و تارة تقديم الاعانات، و شروط للبنك الدولي، في وقت اصبح التعويل على الدعم الخارجي هو المرتكز الاساسي لميزانية 2020م، وجب على الحكومة ان تعلن صراحة للمواطنين فيم انفقت (3,5) مليار دولار دعم من الامارات و السعودية، وهل حقيقة ان الاشقاء في هذه الدول لم يقدموا الدعم الموعود خاصة في الامدادات النفطية؟ نريد كشفاً بالتفاصيل و بشفافية تامة.
لا ذكر المؤتمر الدستوري بينما المطلوب تشكيل آلية للاعداد له وحصر عضويته وتحديد أجندته،
المطلوب عاجلاً في تقديري، عقد مؤتمر يضم قوى الحرية و التغيير و الحكومة و مجلس السيادة للبحث بمسؤولية في المشكلات العالقة و المهام العاجلة، و تأكيد ان هذه المكونات تعمل وفق منهج أساسه المصالح الوطنية الاستراتيجية و سنام أهدافه انجاح الفترة الانتقالية، هذا المؤتمر عليه ان يحدد بوضوح صلاحيات أطراف العملية السياسية مع التأكيد على وحدة كيان السلطة الانتقالية تجاه عملية السلام و التحول الديمقراطي و اصلاح الوضع الاقتصادي.
بالطبع لا بد من اتباع الصراحة و الوضوح في تعامل هذه الاطراف مع حقيقة الاوضاع الاقتصادية، و لا بد من اشراك المواطن في حوار بناء حولها ومفارقة سياسة اخفاء الحقائق او تجميلها، ووضع استراتيجية وطنية لمواجهة الاختلالات الهيكلية و الكلية التي اقعدت باقتصادات البلاد و منعتها من التطور، مع اعطاء اولوية لاصلاح مسار العلاقات الخارجية.
الجريدة

اقرا ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى