
الصور المُنتشرة لبعض المُواطنين وهم أمام ماكينة صرف آلي يُلوِّحون بعُملات ورقية وهم في حالة فرح، ثم خبر منشور في إحدى الصحف يبطن نوعاً من الاحتفالية بضخ النقود في ماكينات الصرف الآلي، الخبر المُتداول على نحوٍ لافتٍ يقول إنّ زغاريد علت بالقرب من إحدى ماكينات الصرف الآلي حينما خرج مواطنٌ حاملاً نقوده بعدما سمحت له السياسة الجديدة بالحُصُول عليها.
هذا المشهد الذي عبّر عن حالة فرح حقيقيّة وليست مُصطنعة، هو في الواقع يُعبِّر عن حالة البؤس التي بلغناها، تصوّر أنّ مواطناً يفرح بمُجرّد حصوله على بعض أمواله التي حبستها سياسات الدولة في أعقاب شُحٍ شديدٍ في السُّيولة، وربما حق له أن يفرح لأنّ جزءاً من احتياجاته تَعَطّلّ بالكامل، وبات الحصول على جُزءٍ من أمواله المُودعة في البنك حُلُماً وردياً، حتى لو بنصف قيمتها!
هل حقاً بلغت أحلام المُواطنين هذه الدرجة من التواضع، هل بات الحصول على جُزءٍ من المال الذي هو مِلكٌ خَالصٌ للمُواطن، هل بَاتَ هذا حُلُماً..؟ كيف لا إن كانت تصريحات الحكومة الرَّسميَّة تُحاول التأكيد على أنّ ضخ بعض النقود في الصرافات هو إنجازٌ ويستحق الاحتفاء به في السّاحة الخضراء بحُضُور الرئيس؟.
كيف لا وإن كان رئيس وزراء البلد يَقوم بمهام أصغر مُوظّف في بنك السودان، يتفقّد ضخ النقود في الصرافات بنفسه، ويحمل ذات النقود في يده ليسافر إلى الأبيض لـ (يُصرّف) المُزارعين لمُواجهة موسم الحصاد.!
وفوق ذلك، هناك من يرى أنّ هذا بالفعل إنجازٌ عظيمٌ ومُجرّد انتقاد أن يُطلق عليه إنجازٌ تضعه في خانة “مُثبطي الهمم”.
أن تتضاءل أحلام الشعوب وتصل مرحلة مثل ما حدث قبل يومين؛ الفرح لمُجرّد الحُصُول على جُزءٍ من نقودك التي فقدت قيمتها، يدعو صراحةً للأسف لما آلت إليه الأوضاع.!
القضية ليست في منح فُرصة أخيرة لـ “الإنجاز” أو سحب هذه الفرصة.. القضية أكبر بكثير، أكبر من ضخ نقود أو سيطرة على سعر الصرف أو حتى إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب لتُمهِّد لإعفاء الديون، القضية أنّ الحال تَوَقّفَ تماماً، تَوقّفَ كل شيء حتى مُجرّد إيجاد فكرة، الذي يَحدث الآن لا يُمكن أن يُطلق عليه سياسات اقتصادية، هذه تدابير لتسيير أمور يومية أو لنُسمِّها “مُباصرة” صلاحيتها لا تتعدّى الأيام المعدودة.. وفوق ذلك مطلوبٌ أن نَفرح ونُصفِّق..!!
التيار