
سَاعدني قليلاً بخيالك، تَصَوّر لو أنّ المُجتمع الدولي فكّر وقدّر ورأى أنّ السودان بموارده وموقعه الجُغرافي ثروة ضائعة على الجنس البشري كَافّة، فقرّر استثمار (مائة مليار دولار) خلال عامٍ واحدٍ للنهوض بالسودان.. ليس من أجل عُيُونه (العَسَلِيّة)، بل لخدمة سُكّان الكرة الأرضية من حصيلة ما يُوفِّره السُّودان من غذاءٍ ومطلوباتٍ حيويةٍ أُخرى.
(مائة مليار) دولار من المُجتمع الدولي تَسلّمها السُّودان اليوم، عَدّاً نَقداً، وأدخلها في حسابات بنك السُّودان المركزي، لإنجاز نهضةٍ عاجلةٍ تَضعه في مَصَاف الدول المَانحة لا المَمْنُوحَة.
هذا ليس مُجرّد افتراض نظري مُعلّق في الهواء للتسلية ودغدغة الأماني السُّندسية في وجدان أهل السُّودان.. لا.. بل هو سُؤالٌ حقيقيٌّ كيف يُمكن استثمار مائة مليار دولار خلال عامٍ واحدٍ؟
صَدِّقُوني الإجابة على هذا السُّؤال ستكشف الخلل الكَبير في هذه الدولة السُّودانية المَأزُومَة.. ضع هذا السُّؤال أمام الجميع من رئيس الوزراء إلى أدنى مُوظّف حكومي.. وأمام الأحزاب السِّياسيَّة من أيمن اليمين إلى أيسر اليسار.. من أشيخ السَّاسة إلى أشبهم.. سؤالٌ واضحٌ مطلوب الإجابة عليه في ما لا يزيد عن عشر دقائق، وعشرة أسطر.
كيف نستثمر مائة مليار دولار خلال عامٍ واحدٍ؟
أرجوك تَوَقّف عن القراءة هنا وأكتب الإجابة على هذا السُّؤال في وَرَقَةٍ.
حَسَنَاً، إذا فَعَلتَ ذلك، وأجبت على السُّؤال.. فاقرأ بقية هذا العمود.
إذا تضمّنت إجابتك أيِّ توزيعٍ لأيِّ أرقامٍ على بُنُود للصرف، ودُون حاجةٍ مني للنظر إلى هذه البُنُود أو حتى جَس نَبض أهميتها، فإنّي أقول لك إنّ مثل هذا التفكير هو بالضبط مَا أوقع بلادنا في الحُفرة التي هي فيها ستة عُقُود وأكثر.
وإذا كانت إجابتك رصد أيّة ميزانية لمُواجهة المشاكل التي يُعانيها السُّودان حالياً، من أكبرها مثل الحُرُوب الدامية والاقتتال السِّياسي، أو الديون الخارجية، أو المشروعات ما كبر منها وما صغر، أو الخدمات من التعليم والصحة والكهرباء والماء، أو التنمية من طُرُقٍ وجُسُورٍ وغيرها، فأنت أيضاً تُقدِّم لنا نوعاً آخر من التفكير الذي أورد بلادنا هذا الدّرك الأسفل الذي تُكابده.
وإذا تَضَمّنت إجابتك أيِّ استثمارات بقصد تَعظيم العوائد المالية المُباشرة تَجنُّباً للمُخاطرة بالمال في مشروعات أو بُنُود صَرف تَستنزفه – مثل مَا حَدَثَ لثروة النفط في عز ازدهارها في السُّودان – فأنت أيضاً تُبرهن على حيثيات النّكبة التي يُعانيها السُّودان اليوم.
أما إذا كانت إجابتك، أن هذا لن يحدث، فَهُو مَحض خيالٍ لا يَستحق عناء التّفكير فيه.. فتلك هي الطّامة الكُبرى، أن لا يكون في خيالك سعةٌ لطُموحات بلد يستطيع أن يرتفع بموارده إلى أعلى من ذلك في وَقتٍ مَحدودٍ وبقليلٍ من العَزم ولكن بكثيرٍ من التفكير والخيال الرشيد.
الآن أعد المُحاولة بعد أن تَتَجَنّب كل الخيارات التي ذكرتها لك.. وغدًا أكتب لك الإجابة إن شاء الله.
التيار