
زين العابدين صالح يكتب عودة الصادق المهدي وأبعادها السياسية
الجريدة / زين العابدين صالح
إن قرر الصادق المهدي العودة للبلاد، يعد قرارا صائبا مهما كانت التحديات التي سوف تواجهه من قبل السلطة الحاكمة، خاصة ان المهدي يمتلك القدرة على صناعة المبادرات السياسية، والهدف منها هو كيفية تحريك الساكن، والتحول من اجندة جامدة لم تستطع ان تحدث حراكا سياسيا الى اجندة اخرى اكثر فعالية، والسياسة ليست شيئا جامد، انما فعل متحرك باستمرار، ولا تقبل الجمود، هناك البعض الذين يعتقدون ان تغيير الاجندة تعني تغير في المبادئ المطروحة، وهذا خطا، وعدم إدراك لطبيعة المتغيرات إن كان ذلك داخل الساحة السياسية في البلاد، أو في المحيط الأقليمي والعالمي، والذي يؤثر بصورة مباشرة على السياسة في السودان، إلى جانب، أن تغيير الأجندة بالضرورة تؤدي إلى إعادة النظر في الآليات التي أثبتت فشلها، ولم تعط مفعولا ناجحا، لكن بعض السياسيين يعتقدون أن الجمود في الفعل يعني الثبات على المبادئ.
و معلوم إن المبدأ الذي تم الاتفاق عليه بين القوى المعارضة، أن يحدث تغييرا جوهريا في النظام الحاكم، يفضي إلى نظام ديمقراطي تعددي، و دستور ديمقراطي يتفق عليه بتوافق وطني.
و ليس هناك من القوى السياسية المعارضة قد تنازلت عن ذلك، الميدا. و أختلاف الفكر بالضرورة يؤدي إلى أختلاف الآليات التي تحقق الهدف، و كل مجموعة سياسية لها طريقة معينة في التفكير، وبالتالي تحدد استراتيجية تنفيذها، بعيدا عن اتهامات التخوين التي درجت عليها بعض القوى السياسية، ومن خلال المسيرة التاريخية لحكم الإنقاذ و في جانب المعارضة، تذكرنا إن الذين كانوا في المعارضة، وتنازلوا عن خيار التحول الديمقراطي، وأعتقدوا إن الديمقراطية يمكن أن تأتي بمشاركتهم في حكم شمولي، هؤلاء لم يترددوا أن يصبحوا جزءا من السلطة الحاكمة، ووجدوا أنفسهم موظفين في الحفاظ على جوهر النظام القائم، و لم يشاركوا في صناعة القرار و لكنهم منفذين للقرار و نقلت الأخبار «إن الصادق المهدي كان قد قرر من خلال اجتماع عقد بينه ووفد من قيادات حزب المؤتمر السوداني في العاصمة البريطانية لندن العودة إلى الوطن، ومواجهة التهم المنسوبة إليه، بعد أن ناقش الجانبان موقق تحالف قوی نداء السودان، واتفقا على أهمية تفعيل العمل الجماهيري، ودعم الحراك المنظم ضد سياسات الحكومة، والعمل على مقاومة تعديل الدستور، والإجراءات الاقتصادية التي يتحمل عبئها المواطن – بحسب بیان الاجتماع» و قد أتضح من خلال التجربة التاريخية لمناهضة النظم الشمولية أن وجود القيادات السياسية المعارضة وسط الجماهير هو الذي يؤدي إلى محاصر النظام، لانه يخلق الوعي المضاد لتقولات السلطة الحاكمة، والمهدي من القيادات الفاعلة والمتحركة وتترقب الجماهير قولها، والحراك الذي يقوم به المهدي وسط المثقفين والقيادات السياسية والإعلاميين، بالضرورة يحدثا حركة داخل المجتمع لها بعدها السياسي المزعج للنظام الحاكم، وأيضا محاولة لتبادل المعلومة التي تساعد على حسن التحليل، لكن البعد ليس له دورا فاعلا يحدثه وسط الجماهير.
وفي ذات الموضوع قال المهدي في رسالته الصوتية الأسبوعية التي تم نشرها خلال الشهرين الماضيين « تلقى أكثر من ۱۰ اتصالات من وسطاء من الحزب الحاكم يمثلون كلهم شخصيات نافذة في المؤتمر الوطني ناشدوه فيها إلى ضرورة التواجد بالداخل، ولو بصفة المعارضة، مبينا أن الحكومة وصلت إلى قناعة بأهمية التوصل إلى إصلاحات سياسية، وتحقيق السلام بالداخل، وقال إنهم يعتقدون أن له دورا مهما في ذلك العمل المطلوب إذا كان المهدي قد أقتنع إن هناك بعض السياسيين في السلطة الحاكمة لها رغبة في التغيير، وأن وجوده في السودان سوف يعزز هذا الاتجاه، هذا يؤكد أن وجوده في البلاد مسألة ضرورية، والعمل السياسي الفاعل والمؤثر لابد أن يكون لصيقا بالجماهير وسماع صوتها۔
من الملاحظ إن وحدة المعارضة رغم إنها ضرورية، لكن هذه الوحدة تعترضها عوائق كثيرة، منها إن الأجندة الحزبية التي لم تستطع الانتقال لكي تصبح أجندة وطنية أضف إلى ذلك إن الحوار الجاد بين مكونات المعارضة أصبحت عصية، و بالتالي يصبح الاتفاق فقط على الهدف الاستراتيجي، و لا يمنع أن تكون هناك مكونات مثل الذي يجري الآن « قوی نداء السودان – و قوی الاجماع الوطني» دون أن يكون هناك تخوين بين الجانبين مادام هناك أختلاف في الأدوات التي تحقق هذا الهدف، ويتم التنسيق بينهم، و تبادل المعلومات بينهم، إذا استعصت الوحدة بينهم. تقول الأخبار: «إن المهدي لم ينس أن يذكر بوجود من أسماهم “ترابیس النظامها، الذين يعتبرون وجوده خطرا على التمكين الذي مكنهم من احتكار السلطة، مبينا أنهم عملوا على اتهامه في كل خطوة مشاها نحو تحقيق الوفاق الوطني وتابعوه بالخطط الكيدية» هذه مسالة متوقعة أن تكون هناك بعض العناصر التي تقف ضد أي توافق وطني لكي تحمي مصالحها الخاصة، دائما أصحاب الأجندة الوطنية العامة يحاولون البحث عن اللغة المشتركة بين الأطراف، والسعي للتقارب بين وجهات النظر المختلفة، لكن أصحاب الأجندة الخاصة يحاولون إيجاد المبررات التي تمنع أن يكون هناك أي حوار بين الفرقاء جميعا، و البعض الأخر يعتقد إن أي اتفاق يحاول أن يغير جوهر النظام يصبح مرفوضا وغير مقبول الحوار معه .
هذه العوائق والموانع الت تحاول ان تستخدم موسسات الدول في اجهاض المشروعات الساسية الداعية للتغير .
والتي سماها المهدي “ترابيس النظام” وهي ترابيس غدت تتساقط وتفقد بريقها، والاحداث الداخلية والخارجية باتت مؤثرة بقوة على الساحة السياسية السودانية، وكروت الضغط الكثيرة التي كان يتحكم فيها هولاء قد فقدوها في مسيرتهم السياسية التي يفارقها الفشل، وانعكس ذلك في الازمات التي تطبق على عنق النظام ولم يستطيع ايجاد حل لها، ومحاولاتهم كسب الوقت لكي يعيدو انتاج الازمة بصور مختلفة التي تحقق مصالحهم الخاصة، وجاء الوقت لكي تتجاوز الحركة السياسية هذه العتبة الى افاق أرحب .
وحول ردة الحكومة الرسمي، قال وزير الإعلام والاتصالات الناطق الرسمي باسم الحكومة، بشارة أرور في تصريح له «إن عودة المهدي تعتبر دافع قوي في إتجاه إستكمال حلقات الوفاق الوطني، مبينا أن المهدي خرج وسيعود بإختياره مشيرا إلى أن حديثه عن تحقيق السلام يمثل دفعة قوية حول تطابق الرؤى والأفكار الحلحلة القضايا الوطنية» هذا حديث مشجع لكن الحكومة ليست بالقوة التي تستطيع أن تحمي فيها قراراتها و رؤيتها، باعتبار إن القرار الرئاسي هو الذي يعكس رؤية سلطة الإنقاذ الحقيقية، باعتبارها تعبر عن موقف سیاسي يوقف كل الإجراءات التي شرعت بعض الجهات في أتخاذها ضد المهدي، و لكن حضور المهدي البلاد في حد ذاته سوف يدعم الحراك السياسي في البلاد. لكن صبح السؤال الرئيس: هل المهدي يحمل معه مبادرة جديدة أم يريد أن ينشط المبادرات السابقة؟ إن المبادرات السابقة قد تجاوزها الزمن، و تحتاج إلى ترميم، كما أن المبادرات الجديدة يجب أيضا أن تراعي المتغيرات في الساحة السياسي، والمتغيرات الإقليمية والدولية.
كما إن المهدي يجب أن يتجاوز السياسية التي درج عليها التردد في اتخاذ القرارات المصيرية، و تحمل مسؤوليتها، وأن لا تكون فكرة استصحاب الجميع معه معطلة للعمل الجاد، هذا الأمر لم يتوفر الأنبياء الله أن يجعوا الكل حولهم دون معارضة، بل قد وجد رسل الله معارضات عنيفة، و بالأحرى سوف يجد المهدي معارضات من ترابيس النظام أو من قوي في المعارضة، و لكن تصبح قوة فكرة المبادرة هي التي تقتنع كل ذو قلب وأرخى السمع و هو بصير، و أيضا ألمهم أن تطرح أي مبادرة اللحوار العام، ثم تبدأ مرحلة اتخاذ قرار التنفيذ، فإذا كانت الفكرة صائبة سوف تجد الأغلبية تلتف معها، و إذا لم تعبر عن أحلام الجماهير سوف ينصرف الناس عنها، و لكن في الحالتين الابد من اتخاذ القرار و تحمل مسؤوليته، فالمهدي منذ الديمقراطية يتردد كثيرا في اتخاذ القرار، وضيع زمن كثير، و يجب عليه أن يترك التردد وراء ظهره. و نسأل الله حسن البصيرة.
الجريدة