مقالات وآراء

الفاتح جبرا : خطبة الجمعة

الجريدة

الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
• أما بعد أيها عباد الله:
يقول الله تعالى في محكم آياته:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) (11) الرعد.
• لقد أمر الله نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم كما وان القوم إذا شاور بعضهم بعضاً وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على الرشدة. الدر المنثور، 2/358.
• روى ابن عباس أنه لما نزلت {وشاورهم في الأمر} قال رسول الله (ص): (أما أن الله ورسوله لغنيّان عنها ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمّتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم يعدم غيّاً) الدر المنثور، 2/359.
ومن الأحاديث في الحث على المشورة:
• قال رسول الله (ص): (استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا) الدر المنثور، 7/357، البحار 75/100.
• وقال (ص): (المستشار مۆتمن) مسند أحمد بن حنبل، 5/274.
• كما قال (ص): (من أراد أمراً فشاور فيه، اهتدى لأرشد الأمور) الدر المنثور، 7/357.
• وقال الإمام علي (ع):(شاور ذوي العقول تأمن الزلل والندم) غرر الحكم.
• قال الإمام الصادق (ع): (استشر العاقل من الرجال الورع، فإنه لا يأمر إلا بخير، وإياك والخلاف فإن خلاف الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا). المحاسن ص602 والوسائل 8/426.
إخوة الإسلام:
لا يشك عاقلٌ في أنَّ بلادنا اليوم تعاني – ومنذ سنوات – من أزمات أورِثنا الكثيرَ من الويلات والكوارث التي نعاني منها والتي تقف عائقاً أمامَ نهضة هذا البلد وتقدمه ولابد لنا إن كنا نريد الخروج من هذه الأزمة أن تقرأ سنن الله في التغيير، لأن سنن الله تقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]،
فبلادنا لكي تخرجَ من أزمتها الراهنة لا بد عليها أن أن تدرسَ مشكلاتها السياسية، والاقتصادية، والأخلاقية والإدارية، الدينية، وغيرها من المشاكل، والتي يشهد الواقعُ أنها حاضرة بيننا وتسهم إسهاماً فاعلاً وواضحاً في سلوك المجتمع الذي يعاني منها ويتأثر بها.
ولا بد أن نعلمَ أن الأزمةَ التي تعاني منها البلاد أزمة مركَّبة ومعقَّدة بسبب طول الأمد في الحكم دون أي إشراك فعلى لكل من هو خارج المنظومة ومن المعلوم أن أمر الحكم شورى بين الناس لا تحتكره فئة واحدة فإن من مهلكات الأمم إنفراد فئة بالراي إذ كما يقولون (نصف رأئك عند أخيك).
عباد الله:
إذا أردنا العلاجَ، لا بد أن نشخِّصَ الداءَ أولاً؛ حتى نصلَ إلى الدواءِ المناسب الذي سيكون – بإذن الله – نافعًا وشافيًا لأن وصف الداء ثم الدواء من أعظم أسباب الشفاء والعافية، فإن المريض متى عرف داءه وعرف دواءه فهو جدير بأن يبادر إلى أخذ الدواء ثم يضعه على الداء، هذه طبيعة الإنسان العاقل الذي يود الخلاص من أمراضه وأسقامه ليكون معافاً ينعم بالصحة، نعم لابد له أن يعرف الداء وأن يعرف الدواء.
ولكن بعض الناس قد يغلب عليه الداء ويستولي عليه السقم والمرض حتى يرضى به ويستلذ ببقائه، فيموت شعوره، فهو يرتاح له ويقنع بالبقاء معه، لانحراف مزاجه وضعف بصيرته، وغلبة الهوى عليه وعلى عقله وقلبه وتصرفاته ونرجو ألا نكون قد وصلنا إلى هذا الدرك السحيق.
عباد الله:
لقد أصاب الضعف والوهن والإستسلام القلوب إلا ما شاء الله واستحكم عليها بعد أن بتنا نصبح على أزمة ونمسي على أخرى والداء واضحاً وضوح الشمس وهو أن أمر البلاد وإدارتها موكول لفئة قليلة أعماها بريق السلطة عن إشراك غيرها في وضع الخطط وإتخاذ القرار وهو أمر جالب للمفاسد والأهوال والأزمات التي أصبحت تسد الأفق ويدفع المواطن ثمنها باهظا في حياته التي أصبحت ضنكا.
نعم إن حل مشكلات هذا البلد بيد الله سبحانه وتعالى، فهو الناصر لعباده، ولكنه سبحانه وتعالى أمر بالأسباب، ومن أراد من الله النصر والتأييد وإعلاء الكلمة فعليه بتغيير ما هو عليه من المعاصي والسيئات المخالفة لأمر الله، وربك يقول جل وعلا: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور 55
ومن أولى هذه السيئات التي نحن مطالبون بتغييرها حتى يستقيم الأمر ونبدأ في حل مشكلاتنا التي تفاقمت أن يصبح الحكم شورى بين الناس لا تنفرد به جماعة أو طائفة دون الأخرى وأن نعيش في دولة سيادة القانون لا قانون السيادة، نعم علينا الإيمان الصادق والعمل الصالح والتكاتف والاتحاد مع الإخلاص لله في العمل والصدق فيه ونية الآخرة حتى ينصرنا الله ويسدد خطانا قال الله تعالى :
{ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } الحج 40، (41).
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين وأن يجنب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فأستغفروه، وأقم الصلاة.

اقرا ايضا

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى