
حتى وقت قريب لم يكن المواطن السوداني يعرف أو يهتم بالعملة (جاية من وين ولا بطبعوها وين ولا ماشة وين) وحتى التفاصيل المتصلة بطباعة العملة (ما جايب ليها خبر)، ولا يعرف أسرار خزينة الدولة ولا كشف حالها سواء كانت فارغة أو تكاد تستفرغ ( قروش) حتى جاءت حكومة الإنقاذ وضاق الحال بالناس فاصبحوا يتساءلون عن السيولة وحركة السوق وهبوط وصعود الدولار وأحوال الجنيه وموقعه من الإعراب، وظلت الحكومة طوال 29 عاماً في ترقيع الفجوة الاقتصادية حتى فتك بها العجز وانكشف حالها، وأصبحت الأزمة واضحة لا تحتاج إلى “غطغطة” أو سترة، وأصبحت البنوك (تلحس) حتى مصاريف المواطن البسيط إذ يذهب إلى البنك لسحب مرتبه يخبره الصراف الآلي بأنه فارغ، فيجرجر قدميه عائداً لبيته يقلب كفيه من شدة (الفلس) .
استمر الحال هكذا وحاولت الحكومة جاهدة بتغيير لون العملة وفئتها حتى تشغل المواطن وتعطيه أملاً في أن الأمور تتجه إلى الفرج ولكن على أرض الواقع لا يوجد فرج (ولا يحزنون) بل ضاق المواطنون من شدة فوضى السوق وارتفاع الأسعار يوما ً بعد يوم، وهاهو وزير المالية معتز موسى يبشر المواطنين بأن هنالك حاوية محملة بالنقود في طريقها للبلاد وستتبعها 4 حاويات أخرى.. وقد تمت طباعة النقود خارج البلاد، وذلك أملاً في انفراج أزمة السيولة فيا أيها المواطنون (يلا صفقوا كلكم) فقد تذهبون إلى البنوك والصرافات وتدر عليكم النقود (وأموركم تظبط) وتكون الحكومة قد أخدت نفس بهذه الخطوة، ولكن لا تفرحوا أيها البسطاء فإن طباعة النقود أو درها لن يحل المشكلة الاقتصادية فستزدحم البنوك بالمطالبين بوداعئهم المالية بعد أن مثلتم عليهم (دور بايخ) إبان الشهور الماضية ولم يفلحوا في سحب أموالهم بسبب انعدام السيولة، كما أن ديون الحكومة المتلتلة التي لن تحلها 4 حاويات أو أضعفها ستكون عقبة، ثمت سؤالاً آخر هل الصفقة التي تمت بها طباعة النقود خارج الحدود تمثل حلاً لأزمة دولة ذات سيادة وتمتلك موارد يمكن استثمارها لحل مشاكلها الاقتصادية؟ وإلى متى تظلون تطبعون النقود وتغيرون فئتها ولونها لنجدتكم؟
فلننتظر الـ(4 حاويات) والنقود الجديدة (كرت) وسنرى ماذا سيحل بالمواطن وما ينتظره من مغامرات الحكومة التي تعمل ما يمليه عليها (مخها) ضاربة بالسياسات الاقتصادية التي من شأنها إنقاذ الوضع أرض الحائط فهي لا تسمع لنصائح الخبراء والمحللين وإنما تعمل بسياسة (ركوب الرأس) فالمتوقع فإن رأس الحكومة (حيتشطب) عندما تحاصرها المشكلات الاقتصادية بصورة اقوى، فالورطة تكون اعظم وقتها و(خشمكم يبقى ملح ملح) فالمواطن يتمنى أن تكون هذه البواخر القادمة لإنقاذه لا تكون (فشوش) وتظل أزمة السيولة قائمة كأزمة المواصلات فإن وعودكم أصبحت مكشوفة والأوضاع على الأرض تصور ذلك ولا تحتاج إلى ترجمة.