مقالات وآراء

عثمان ميرغني يكتب دَرْسٌ مَجّانيٌّ عَلَى الهَواءِ مُبَاشَرةً!

عثمان ميرغني

الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مَشْهُورٌ باللغة الخشنَة التي تَتَخَطّى حواجز وأدب الدبلوماسية.. في الأسبوع المنصرم حَمَلَت له وسائط الإعلام خطاباً جارحاً للمملكة العربية السعودية وقيادتها.. كثيرون فُوجئوا بالمُستوى الذي انحدرت إليه لغة الحليف الاستراتيجي.

وانتظر الجميع رَدّ الفعل السعودي، وربما توقّع البعض قطع العلاقات أو على أقل تَقديرٍ خطاباً مُماثلاً بمبدأ العين بالعين والبادئ أظلم.. لكن كانت المُفاجأة في الأسلوب والمَضمون الذي اختارته السعودية للرد.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بثّت له وكالة “بلومبرغ” الدولية الشهيرة حواراً طويلاً (أكثر من 8 آلاف كلمة).. لَم يَقل لأمريكا (أعلى ما في خيلك فاركبيه) ولا تَحَدّى الرئيس ترمب، ولم يُجاريه في لغته الخشنة، ومع ذلك أوصل رسالة فيها رَدٌّ قَويٌّ وَوَاضحٌ لِمَا أثَارَهُ ترمب.

ترمب قال إنّ أمن السعودية بيد أمريكا، رَدّ عليه محمد بن سلمان إنّ السعودية تدفع مُقابل كل قطعة سلاح تَتَسَلّح بها، وإنّ السعودية لا تشتري أمنها من أحدٍ.. وبأسلوبٍ ذكي لَمّاح قال إنّ الرئيس السّابق أوباما نَفَضَ يده من التحالف الاستراتيجي بين البلدين، بل وحَاوَلَ أن يَضع العصا في عجلة السعودية، ومع ذلك لَم يَهتز الأمن والاستقرار في السعودية التي وصفها بن سلمان أنّها أقدم وجوداً على خارطة الكرة الأرضية من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

وعندما حاصره مُحاوره بأسئلةٍ يُحاول استدراجه للرد المُباشر على لغة وأسلوب خطاب ترمب، قال مُحمّد بن سلمان: لا أحدٌ يَتَوقّع من صديقه أن ينطق 100% بما يرضيه.. خلاصة الحوار الطويل دَرسٌ سِياسِيٌّ مَجّانيٌّ عنوانه (كيف تُحافظ على مصالح بلدك الاستراتيجية).

ولي العهد السعودي يدرك جيِّداً أنّ “دونالد ترمب” يحمل الرقم (45) في قائمة رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، سلسلة مُمتدة لم تبدأ به ولن تنتهي عنده، فما الذي يجعله يرهن علاقات بلاده الاستراتيجية لرجلٍ عابر سبيل مَرّ بالبيت الأبيض ذات يَومٍ، فالعبرة بالمصالح المُمتدة لا الصفعات المُتبادلة.

العلاقات الاستراتيجية بين الدول لا تُقاس بمعيار العلاقات الشخصية بين الناس، على مَبدأ عمرو بن كلثوم:

(ألا لا يجهلن أحدٌ علينا.. فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا)

فالدول والشعوب هي الباقية، والأشخاص مَهما سَمقوا زائلون انتقاليون، يذهبون ويتركون خلفهم التاريخ يُسطِّر صنائع المجد.

تمنّيت أن لو تحتذي سِياسَتنا الخَارجيّة في السُّودان بمثل هذا المنهج، التّعالي على المَواقف الصّغيرة والتّسامي عن المعارك غير الضرورية.
هذا درسٌ مَجّانيٌّ على الهواء مُباشرةً..

المصدر
التيار

اقرا ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى