
كانت لعبتنا في الصغر.. نجلس على شكل دائرة ..يبدأ أحدنا بتساؤل (من سرق اللبن ؟ ) ومن ثم يلتفت إلى جانبه ويشير إلى الذي يليه ..قائلاً (هذا سرقوا) ..يلتقط المشار إليه الكلمة ويقول (أنا سرقوه؟ هذا سرقوه) ويشير إلى من يجلس بجانبه ..وهكذا تستمر اللعبة كل يلقي التهمة على الجالس بجانبه ..حتى يمل الجميع ..وننصرف إلى بيوتنا سعيدين بإلقاء التهم على الآخرين وتبرئة أنفسنا ..ولا يشغلنا حينها ..معرفة الجاني الحقيقي ..المهم لسنا نحن.
ضجت الأسافير في الأيام الفائتة بقصص عن مجموعات ترتدي أزياء رسمية ..تستوقف الشباب في الطرقات و(تحلق) لهم على الزيرو ..قيل إنهم يكتفون بحلاقة جزء من الشعر وترك بعضه ..حتى يذهب الشاب ويكمل الحلاقة ..لأن الوقت لا ينتظر فهم على عجلة من أمرهم للحاق برؤوس أينعت في أماكن أخرى وحان قطافها…الجماعة هؤلاء قيل أنهم ينتمون إلى مليشيات الدعم السريع ..وقيل شرطة النظام العام ..لكن مفاجأة من العيار الثقيل أتت من الجهات الرسمية ..التي نفت أن أفرادها فعلوا تلك الأفعال ..وصار كل منهم يقول (أنا حلقوا ؟ ومن حلقوا ..هذا حلقوا) ..ودوخينا يا ليمونة ..نحن واللي خلفونا
صرحت قوات الدعم السريع.. أن أفراد مليشياتها لا دخل لهم بتلك التفلتات ..واتهمت جهات لم تسمها بانتحال شخصية منسوبيها ..بينما قالت الشرطة ..أن منسوبيها لم يفعلوا ذلك ..وزاد بيانها من الشعر بيت بأن ألقى اللوم على المواطنين ..إذ كيف لهم بالسماح لأي شخص بحلاقة رؤوس أولادهم ..في دي صدقت يا سعادتك ..لكن أولادنا لم يخفضوا رؤوسهم عن طيب خاطر ولكن تحت تهديد السلاح والزي الرسمي ..وكان من باب أولى ..أن تلاحق الشرطة هؤلاء الأفراد الذين استباحوا الأحياء الطرفية ..وانتحلوا الصفة الرسمية ..وقللوا من هيبة الشرطة وكل المؤسسات الرسمية .
أها يا جماعة ..من الذي حلق الرأس؟ إن كانت الشرطة تنفي وتتهم المواطن بعدم أخذ حقوقه كاملة ..ولسان حال المواطن يقول ( فيك الخصام ..وانت الخصم والحكم) ..وإن كانت قوات الدعم السريع تنفي وتدين وتشجب وتتوعد منتحلي صفتها ..طيب ورونا من هم هؤلاء ؟ إذ ربما فعلنا فيهم فعلة عادل إمام عندما اكتشف أن الشخص الذي يتدخل كل مرة في المحكمة ليفهمه المصطلحات ..اتضح أنه ليس من أفراد المحكمة ..فما كان منه إلا أن قال (هو أنت مش معاهم ؟؟ ) ….ومن ثم طاح فيه ضرباً ..وهو يردد مش معاهم ؟؟ مش معاهم ..؟
يا سعادتك .. ..صرنا نسير في الشارع ونتوقع كل شئ ..حتى القتل ..فقد أصيب شاب في مقتل برصاص الشرطة ..فقط لأن فرداً من أفراد الشرطة اشتبه في السيارة ..وأراد أن يعطل إطاراتها ..فأصابت الرصاصة (بالصدفة) صدر الشاب واسلم الروح ..عرفت لماذا نخفض رؤوسنا للحلاقة ..حذر الموت يا سعادتك والله ..أما وأنكم قد نفيتم الأمر جملة وتفصيلاً.. والجماعة طلعوا (مش معاكم) ها نحن بدورنا نرجع الكرة إليك في ملعبك ونطالبك بالإجابة الفورية على سؤال (من حلق رأس العيال ..؟ )
الجريدة
______